للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

للمفعول (أَنَّكَ) بفتح همزة "أنّ" لوقوعها موقع المفرد، وهو النائب عن الفاعل (قُلْتَ: إنَّ) بكسر الهمزة؛ لوقوعها مقول القول، (صَلَاةَ الْقَاعِدِ, عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ) قال النووي -رَحِمَهُ اللَّهُ-: معناه أن صلاة القاعد، فيها نصف ثواب القائم، فيتضمّن صحتها، ونُقصان أجرها، وهذا الحديث محمول على صلاة النفل قاعدًا مع القدرة على القيام، فهذا له نصف ثواب القائم، وأما إذا صلّى النفل قاعدًا لعجزه عن القيام، فلا ينقص ثوابه، بل يكون كثوابه قائمًا.

وأما الفرض، فإن صلى قاعدًا، مع قدرته على القيام لم تصحّ، فلا يكون فيه ثواب، بل يأثم به. قال أصحابنا. وإن استحلّه كفر، وجرت عليه أحكام المرتدّين، كما لو استحلّ الزنا، والربا، أو غيره من المحرمات الشائعة التحريم، وإن صلى القرض قاعدًا لعجزه عن القيام، أو مضطجعًا لعجزه عن القيام والقعود، فثوابه كثوابه قائمًا، لم ينقص باتفاق أصحابنا، فيتعيّن حمل الحديث في تنصيف الثواب على من صلى النفل قاعدًا مع قدرته على القيام. هذا تفصيل مذهبنا، وبه قال الجمهور في تفسير هذا الحديث، وحكاه القاضي عياض -رَحِمَهُ اللَّهُ- عن جماعة، منهم الثوريّ، وابن الماجشون وحُكي عن الباجيّ، من أئمة المالكية أنه حمله على المصلي فريضة لعذر، أو نافلةً لعذر، أو لغير عذر، قال: وحمله بعضهم على من له عذر، يرخّص في القعود في القرض والنفل، ويمكنه القيام بمشقّة انتهى كلام النووي -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١).

(وَأَنْتَ تُصَلِّي قَاعِدًا، قَالَ: أَجَلْ) كـ"نعم" وزنًا ومعنى، وهي أحسن في مثل هذا من "نعم"، كما تقدّم. (وَلَكِنِّي لَسْتُ كأَحَدٍ مِنْكُمْ) أي لست مثلكم في كون ثواب صلاتي قاعدًا على النصف من صلاتي قائمًا، بل هو كصلاتي قائما، لا ينقص منه شيء.

قال النووي -رحمه اللَّه تعالى-: هو عند أصحابنا من خصائصه - صلى اللَّه عليه وسلم -، فجُعلت نافلته قاعدا مع القدرة على القيام كنافلته قائمًا، تشريفًا له، كما خُصّ بأشياء معروفة في كتب أصحابنا، وقد استقصيتها في أول "كتاب تهذيب الأسماء واللغات" (٢).

وقال القاضي عياض -رَحِمَهُ اللَّهُ-: معناه أن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - لَحِقَه مشقّة من القيام لحطم الناس، وللسنّ، فكان أجره تامًّا، بخلاف غيره، ممن له عذر.

وردّ عليه النوويّ، فقال: هذا ضعيف، أو باطل, لأن غيره - صلى اللَّه عليه وسلم - إن كان معذورًا، فثوابه أيضًا كامل، وإن كان قادرًا على القيام، فليس هو كالمعذور، فلا يبقى فيه تخصيص، فلا يحسن على هذا التقدير "لست كأحد منكم"، وإطلاق هذا


(١) - "شرح مسلم" ج ٦ ص ١٤/ ١٥.
(٢) - قلت: تقدم سردها من ألفية الحافظ العراقي -رَحِمَهُ اللَّهُ- في السيرة، راجع شرح حديث "أُعطيت خمسا، لم يعطهن أحد قبلي … " رقم ٢٦/ ٤٣٢ - "كتاب التيمم" من هذا الشرح تستفد، وباللَّه التوفيق.