للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الليل، فإن صلاة آخر الليل مشهودة، وذلك أفضل وقال أبو معاوية: "محضورة". وأخرج ابن خزيمة -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "صحيحه" عن ابن عمر - رضي اللَّه عنهما - أن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - قال لأبي بكر: "متى توتر؟ " قال: أُوتِر، ثم أَنَام، قال: "بالحزم أخذت"، وسأل عمر، فقال: "متى توتر؟ قال: أنام، ثم أقوم من الليل، فأُوتر، قال. "فِعْلِي فَعَلْتَ وفي رواية: "بفعل القويّ فعلتَ".

قال الإمام ابن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ- بعد أن أخرج الحديثين: ما نصّه: فدلّ قوله: "وذلك أفضل" على أن الوتر في آخر الليل أفضل.

وقد اختلف أهل العلم في هذا الباب، فكان أبو بكر الصدّيق - رضي اللَّه عنه - يوتر أول الليل، وكان عثمان بن عفّان - رضي اللَّه عنه - ينام قبل أن يوتر، ورُوي معنى ذلك عن رافع بن خَدِيج - رضي اللَّه عنه -، وفعل ذلك عائذ بن عمرو - رضي اللَّه عنه - لمّا أسنّ، وروينا عن عمر بن الخطّاب - رضي اللَّه عنه - أنه قال: الأكياس الذين إذا علموا أنهم لا يقومون أوتروا من قبل أن يناموا، وأن الأقوياء الذين يوترون آخر الليل، وهو أفضل.

قال: وروينا عن علي بن أبي طالب، أنه لما نظر إلى تباشير الفجر، قال: نعم ساعة الوتر هذه، وكان عائذ بن عمرو يوتر آخر الليل، فلما أسنّ أوتر، ثم نام، وكان عبد اللَّه ابن مسعود يوتر آخر الليل، وممن استحبّ الوتر آخر الليل النخعيّ، ومالك بن أنس، وسفيان الثوريّ، وأصحاب الرأي.

قال: ويشبه أن يكون من حجة من رأى أن الوتر أول الليل أفضل حديث أبي هريرة - رضي اللَّه عنه -: "ثلاث أوصاني بهنّ، أن أنام على وتر"، فلما قال النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - "من طَمِعَ في أن يستيقظ من آخر الليل، فإن قراءة آخر الليل محضورة، وذلك أفضل"، دلّ على أن قول أبي هريرة - رضي اللَّه عنه -: "ثلاث أوصاني بهنّ: الوتر قبل النوم"، إنما هنّ على معنى الحَذَرِ، والوثيقة، تخوّفًا أن لا يستيقظ، فيوترَ آخر الليل. انتهى (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: قد تبيّن بما ذكر أن الأفضل لمن يشق بالانتباه آخر الليل فالأفضل أن يؤخّر الوتر إلى آخر الليل، ومن خاف أن لا يقوم فيه، فالأفضل له أن يوتر قبل النوم.

والحاصل أن الأحاديث المطلقة، في الوصية بالوتر قبل النوم، كحديث أبي هريرة - رضي اللَّه عنه - المذكور في الباب مقيدة بمخافة ذوات الوتر باستغراقه في النوم. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.


(١) - "الأوسط" ج ٥ ص ١٧١ - ١٧٤.