للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ركعة أخرى، ثم يصلي ما بداله، ثم يوتر في آخر صلاته، واحتج بعضهم بأن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - أمر أن يجعل آخر الصلاة بالليل وترًا، هكذا قال إسحاق وغيره.

فممن رُوي عنه أنه كان يشفع وتره عثمانُ بن عفّان، وسعد بن أبي وقّاص، وعبد اللَّه ابن عمر بن الخطاب. وممن رُوي عنه أنه فعل ذلك علي بن أبي طالب، وعبد اللَّه بن مسعود، وابن عباس - رضي اللَّه عنهم -. وبه قال عمرو بن ميمون، وابن سيرين.

ومذهب سعد، وابن عمر، وابن عبّاس، وابن مسعود، وابن سيرين، وإسحاق: إذا نقض وتره أوتر في آخر صلاته، ولعلّ هذا مذهبُ الآخرين، وإن لم يُذكر ذلك عنهم.

قال: وأنكر بعضهم هذا، وقال: إذا نام الرجل، وأحدث أحداثًا، ثم قام، فتوضّأ، وتكلّم بين ذلك، ثم صلى ركعة، وهذه الركعة غير الركعة التي ركعها قبل أن ينام، إذ بينهما من الفضل بالنوم والأحداث ما بينهما، ثم إذا صلى، وأوتر بعد ذلك في آخر صلاته، فقد صار مُوتِرًا مرّتين (١) في ليلة، وقد روي عن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - أنه قال: "لا وتران في ليلة"، وإنما قول النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -: "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا" في الرجل يريد الصلاة من الليل، فإذا أراد ذلك، فالسنّة أن يصلي مثنى مثنى، ثم يوتر آخر صلاته، وليس ذلك لمن قد أوتر مرّة، إذ ليس من السنّة أن يوتر في ليلة مرتين، والدليل على أن معنى قول ابن عمر المعنى الذي قلناه أن ابن عمر، وهو الراوي لقول النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -: "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا"، وقد سئل عن نقض الوتر، فقال: إنما هو شيء أفعله برأي، لا أرويه عن أحد. ثم أخرج بسنده عن مسروق، أنه قال: سألت ابن عمر عن نقضه الوتر؟ فقال: إنما هو شيء أفعله برأي، لا أرويه عن أحد.

قال ابن المنذر -رحمه اللَّه تعالى-: ولا أعلم اختلافًا في أن رجلاً بعد أن أدى صلاة فرض كما فُرضت عليه، ثم أراد بعد أن فرغ منها نَقْضَها أن لا سبيل له إليه، فحُكْمُ المختَلَفِ فيه من الوتر حُكْمُ ما لا نعلمهم اختلفوا فيه، مما ذكرناه، وكذلك الحجّ، والصوم، والعمرة، والاعتكاف، لا سبيل إلى نقض شيء منها بعد أن يُكْمِلها.

رَوَينا عن أبي بكر الصدّيق - رضي اللَّه عنه - أنه قال: إنما أنا فإني أنام على وتر، فإن استيقظت صليت شفعًا حتى الصباح، وروي هذا القول عن ابن عبّاس، خلاف القول الأول، ورَوَينا ذلك عن عائذ بن عمرو، وسعد بن أبي وقّاص، وعمّار بن ياسر، وعائشة - رضي اللَّه عنهم -، ومَن رُوي عنه من أصحاب رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - في هذه المسألة قولان، فلعلّه قد فعل الفعلين جميعًا.


(١) - وقع في "الأوسط" "فقد صار موترًا في ليلة"، والظاهر أن الصواب ما أثبتّه هنا.