للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يعني الإمام- ويلعن الكفرة، ويؤمن من خلفه. وقال أبو داود -رَحِمَهُ اللَّهُ-: سمعت أحمد سئل عن القنوت؟، فقال: الذي يعجبنا أن يقنت الإمام، ويؤمّن من خلفه، قال: وكنت أكون خلفه، فكنت أتسمّع نغمته في القنوت، فلم أسمع منه شيئًا، قلت لأحمد: إذا لم أسمع قنوت الإمام أدعو؟ قال: نعم. وقال إسحاق: يدعوا الإمام، ويؤمّن من خلفه.

قال محمد بن نصر -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وهذا الذي أختار، أن يسكتوا حتى يفرغ الإمام من قراءة السورتين، ثم إذا بلغ بعد ذلك مواضع الدعاء أمّنوا انتهى (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الذي اختاره ابن نصر -رَحِمَهُ اللَّهُ- هو الأرجح عندي، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

المسألة الثالثة: في اختلاف أهل العلم في مسح الوجه بيديه بعد فراغه من الدعاء: أخرج الإمام محمد بن نصر من طريق صالح بن حسّان، عن محمد بن كعب، عن ابن عباس - رضي اللَّه عنهما -، قال: قال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "إذا دعوت، فادع اللَّه ببطون كفيك، ولا تدع بظهورهما، فإذا فرغت فامسح بهما وجهك". وأخرج أيضًا من طريق عيسى بن ميمون، عن محمد بن كعب القرظيّ، عن ابن عباس - رضي اللَّه عنهما -، عن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، قال: "إذا سألتم فاسألوه ببطون أكفكم، ثم لا تردّوها حتى تمسحوا بها وجوهكم". وفي رواية: "فإن اللَّه جاعل فيها بركة". وعن المعتمر: رأيت أبا كعب صاحب الحرير يدعو رافعا يديه، فإذا فرغ من دعائه يمسح بهما وجهه، فقلت له: من رأيت يفعل هذا؟ فقال: الحسن.

قال محمد بن نصر: ورأيت إسحاق يستحسن العمل بهذه الأحاديث، وأما أحمد بن حنبل، فحدثني أبو داود، قال: سمعت أحمد، وسئل عن الرجل يمسح وجهه بيديه إذا فرغ في الوتر؟ فقال: لم أسمع فيه بشيء، ورأيت أحمد لا يفعله، قال: وعيسى بن ميمون هذا الذي روى حديث ابن عباس ليس ممن يُحتجّ بحديثه (٢)، وكذلك صالح بن حسان (٣). وسئل مالك عن الرجل يمسح بكفيه وجهه عند الدعاء؟ فأنكر ذلك، وقال: ما علمت، وسئل عبد اللَّه عن الرجل يبسط يديه، فيدعو، ثم يمسح بهما وجهه؟ فقال: كره ذلك سفيان. انتهى (٤).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: أحاديث مسح الوجه بعد الدعاء كلها ضعيفة، وإن حاول الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "بلوغ المرام" في تحسينها بمجموع الطرق، لكن الذي يظهر لي أنها لا تصلح للاحتجاج بها لشدة ضعفها، فالأرجح عدم مشروعيّة المسح. واللَّه تعالى


(١) - مختصر كتاب الوتر ص ١٤١.
(٢) قال في "ت": ضعيف.
(٣) قال في "ت": متروك الحديث.
(٤) - المصدر المذكور ص ١٤٢١ - ١٤٢.