للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقاص - رضي اللَّه عنه -، يوتر، ثم يصلي على إثر الوتر مكانه. وكان الحسن يأمر بسجدتين بعد الوتر، فذُكر ذلك لابن سيرين، فقال: أنتم تفعلون ذاك؟. وقال كثير بن مرّة، وخالد بن معدان: لا تدعهما، وأنت تستطيع -يعني الركعتين بعد الوتر. وقال عبد اللَّه بن مساحق (١): كلّ وتر ليس بعده ركعتان، فهو أبتر وقال عياض بن عبد اللَّه: رأيت أبا سلمة بن عبد الرحمن أوتر، ثم صلى ركعتين في المسجد أيضًا. وقال الأوزاعي: لا نعرف الركعتين بعد الوتر جالسًا، وإنما ركعهما ناس، وقد اجتمعت الأحاديث على صلاة رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - أنه كان يُصبح على ثلاث عشرة ركعة، ليس فيها هاتان الركعتان. وعن مكحول أنه صلى بعد الوتر في رمضان في المسجد ركعتين، وهو قائم، وقال سعيد، عن الحسن أنه كان يركعهما، وهو جالس، وكان سعيد لا يأخذ بهذا، ولا الأوزاعيّ، ولا مالك. قال الوليد بن مسلم: ذكرتهما لمالك، فلم يَعرفهما، وكرههما، وعن ابن القاسم: سئل مالك عن الذي يوتر في المسجد، ثم يريد أن يتنفّل بعد ذلك؟ قال: نعم، ولكن يتلبّث شيئًا انتهى (٢).

قال الإمام ابن المنذر -رحمه اللَّه تعالى- بعد أن ذكر الاختلاف المذكور: ما نصه: الصلاة في كل وقت جائزة، إلا وقتًا نهى رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - عن الصلاة فيه، والأوقات التي نهى رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - عن الصلاة فيها وقتُ طلوع الشمس، ووقت الزوال، ووقت غروب الشمس، والصلاة في سائر الأوقات مباح، ليس لأحد أن يمنع فيها إلا بحجة، ولا حجّة مع من كره الصلاة بعد الوتر، فدلّ فعله - صلى اللَّه عليه وسلم - هذا على أن قوله: "اجعلوا آخر صلاتكم وترًا" على الاختيار، لا على الإيجاب، فنحن نستحبّ أن يجعل المرء آخر صلاته وترًا, ولا نكره الصلاة بعد الوتر، وقائل هذا قائل بالخبرين جميعًا انتهى كلام ابن المنذر -رحمه اللَّه تعالى-.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الذي قاله ابن المنذر -رحمه اللَّه تعالى- هو عين التحقيق، فالرّاجح قول من قال بجواز الصلاة بعد الوتر، لصحة حديث الباب، وغيره بذلك، وهذا القول هو الذي ذهب إليه المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، كما تقدّم أول الباب. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكلت، وإليه أنيب".


(١) - هكذا نسخة "مختصر كتاب الوتر" "ابن مساحق" آخره قاف، ولعله "ابن مسافع" بفاء، ثم عين مهملة، فليُحرّر.
(٢) - "مختصر كتاب الوتر" ص ١٣٤ - ١٣٥.