للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شرح الحديث

(عَنِ الزُّهْرِيِّ) أنه (قَالَ: أَخبَرَنِي السَّائِبُ بنُ يَزِيدَ) - رضي اللَّه عنه - (أَنَّ شُرَيْحًا الْحَضْرَميَّ) قال الحافظ أبو عمر ابن عبد البرّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "الاستيعاب": شُريح الحضرميّ كان من أفضل أصحاب النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، ثم أخرج حديث الباب من طريق يحيى بن آدم، عن ابن المبارك انتهى (١) (ذُكِرَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: لَا يَتَوَسَّدُ الْقُرْآنَ) وفي رواية أحمد: "ذاك رجل لا يتوسّد القرآن".

و"القرآن" بالنصب على المفعولية، قال في "الصحاح": وشدته الشيء -أي بتشديد السين- فتوسّده: إذا جعله تحت رأسه. قال ابن الأثير -رحمه اللَّه تعالى-: يحتمل أن يكون مدحًا، وذمًا، فأما المدح، فمعناه أنه لا ينام الليل عن القرآن، ولكن يتهجّد به (٢)، ولا يكونَ القرآن مُتَوسَّدًا معه، بل هو يُداوم قراءته، ويحافظ عليها، والذمّ معناه لا يحفظ من القرآن شيئًا، ولا يديم قراءته، فإذا نام لم يتوسّد معه القرآنُ (٣)، وأراد بالتوسد النوم انتهى (٤).

وفي "ق"، وشرحه: قال ابن الأعرابي: يحتمل كونه مدحًا، أي لا يمتهنه، ولا يطرحه، بل يُجلّه، ويُعظّمه، أي لا ينام عنه، ولكن يتهجّد به، ولا يكونُ القرآن متوسِّدًا معه، بل هو يُداوم قراءته، ويُحافظ عليها، لا كمن يتهاون به، وُيخلّ بالواجب، من تلاوته، وضَرَبَ توسّده مثلاً للجمع بين امتهانه، والاطراح له، ونسيانه.

ويحتمل كونه ذمًا، أي لا يُكبّ على تلاوته، وإذا نام لم يكن معه من القرآن شيء، مثل إكباب النائم على وساده، فإن كان حَمِدَه فالمعنى هو الأول، وإن كان ذمّه فالمعنى هو الآخر. قال أبو منصور: وأشبههما أنه أثنى عليه، وحَمِدَه انتهى (٥). واللَّه تعالى أعلم، وهو المستعان، وعليه التكلان.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: حديث السائب بن يزيد - رضي اللَّه عنه - هذا صحيح، وهو من أفراد المصنف -رحمه اللَّه تعالى-، أخرجه هنا ٦٠/ ١٧٨٣ - وفي "الكبرى" ٨/ ١٣٠٥ - بالسند المذكور، وأخرجه أحمد ٣/ ٤٤٩. ثم إنه لم يظهر لي وجه إيراد المصنف له


(١) - "الاستيعاب" ج ٥ ص ٦٩ - ٧٠ بهامش نسخة "الإصابة".
(٢) - عبارة "النهاية" "ولا يتهجد به، فيكون القرآن متوسّدا معه"، والذي أثبته هو عبارة "لسان العرب"، والظاهر أن عبارته أوضح.
(٣) - مقتضى هذا أن توسّد لازم، والقرآن مرفوع على الفاعلية، والتقدير لا يتوسّد القرآنُ، أي لا ينام معه.
(٤) - "النهاية" ج ٥ ص ١٨٣.
(٥) - راجع "ق" و"التاج" ج ٢ ص ٥٣٤.