للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى-: قوله:"إذا حضرتم الميت، فقولوا خيرًا" أمر تأديب، وتعليم بما يقال عند الميت، وإخبارٌ بتأمين الملائكة على دعاءِ مَن هناك، ومن هذا استحبّ علماؤنا أن يحضر الميت الصالحون، وأهل الخير حالة موته ليذكّروه، ويدعوا له، ولمن يخلفه، ويقولوا خيرًا، فيجتمع دعاؤهم، وتأمين الملائكة، فينتفع الميت، ومن يُصاب به، ومن يَخلُفه انتهى (١).

قالت أم سلمة - رضي اللَّه عنها - (فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ) أي زوجها قبل النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، واسمه عبد اللَّه ابن عبد الأسد بن هلال بن عبد اللَّه بن عُمَر بن مخزوم المخزوميّ، أخو النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - من الرضاعة، وابن عمته بَرّة بنت عبد المطلب، كان - رضي اللَّه عنه - من السابقين إلى الإسلام، شهد بدرًا، ومات في حياة النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، في جمادى الآخرة، سنة أربع، بعد أُحُد، فتزوّج النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - بعده زوجته أمَّ سلمة - رضي اللَّه عنها -.

(قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ أَقُولُ: قَالَ: "قُولِي: اللَّهُمَّ اغفِرْ لَنَا وَلَهُ) ولفظ مسلم: "فلما مات أبو سلمة أتيت النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، فقلت: يا رسول اللَّه إن أبا سلمة قد مات، قال: "قولي: اللَّهم اغفر لي وله … " (وَأَعْقِبْنِي) من الإعقاب، أي عَوِّضني، وأعطِنِي بدله، قال الشاعر [البسيط]:

ومَنْ أَطَاعَ فَأعْقِبْهُ بِطَاعَتِهِ … كَمَا أَطَاعَكَ وَادْلُلْهُ عَلَى الرَّشَدِ (٢)

(مِنْه) أي بدله، فـ "من" بمعنى "بدل"، كما قال في "الخلاصة":

لِلانْتهَا "حَتَّى" وَلَامٌ وَ "إِلَى" … وَ"مِنَ" وَبَاءٌ يُفهِمَأنِ بَدَلَا

(عُقبَى حسَنَةً) بضم العين المهملة، وسكون القاف، بوزن بُشْرى: أي بدلًا صالحًا (فَأَعْقَبَنِي اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-) مرتَّبٌ على محذوف، أي فقلت ذلك، فأعقبني اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- (مِنْهُ، مُحَمَّدًا - صلى اللَّه عليه وسلم -) تعني أن اللَّه تعالى عوّضها خيرًا من أبي سلمة - رضي اللَّه عنه -، وذلك هو النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، حيث تزوّجها بعد موته.

أخرج مسلم -رحمه اللَّه تعالى- في "صحيحه": من طريق عُمر بن كثير بن أفلح، عن ابن سَفِينة، عن أم سلمة، أنها قالت: سمعت رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، يقول: "ما من مسلم، تصيبه مصيبة، فيقول ما أمره اللَّه: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}، اللهم اجُرني في مصيبتي، وأَخلِف لي خيرا منها، إلا أخلف اللَّه له خيرا منها"، قالت: فلما مات أبو سلمة، قلت: أيُّ المسلمين خير من أبي سلمة؟ أولُ بيت هاجر إلى رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، ثم إني


(١) - "المفهم" ج ٢ ص ٥٧١ - ٥٧٢.
(٢) - راجع "لسان العرب" في مادة "عقب".