(عَنْ أَنَسٍ) - رضي اللَّه عنه -، أنه (قَالَ: آخِرُ نَظرَةٍ نَظَرْتُهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -، كَشْفُ السِّتَارَةِ) أي كانت عند كشف الستارة، وبسببه حتى كأنها نفس كشف الستارة. قاله السندي: فقوله: "آخر نظرة" مبتدأ، وقوله:"كشف الستارة" خبره على التأويل المذكور. وإضافة "كشف" إلى "الستارة" من إضافة المصدر إلى مفعوله. ويحتمل أن يكون "كَشَفَ" بصيغة الماضي، ويُؤَيِّدُهُ قوله:"وألقى السَّجْف". وعلى هذا يكون خبر المبتدإ محذوفًا: أي عند كشف الستارة، وجملة "كشف الستارة" مستأنفة بَيَّنَ بها ما وقع في تلك الحالة. و"الستارة" بالكسر: ما يُستر به، كالسُّتْرة، والْمِسْتَر، والإسْتَارة، جمعه سَتَائر، قال: وبلا هاء: السِّتْرُ، جمعه سُتُر. انتهى قاله في "ق".
(وَالنَّاسُ صُفُوفٌ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ - رضي اللَّه عنه -) جملة في محل نصب على الحال (فأَرَادَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَرْتَدَّ) أي يرجع عن مقامه إلى مقام المأمومين لظنه أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - يخرج إليهم، فيصلي بهم.
ففي رواية البخاري من طريق شعيب، عن الزهريّ، قال: أخبرني أنس بن مالك الأنصاري وكان تَبعَ النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، وخَدَمَه، وصحبه أن أبا بكر كان يصلي لهم، في وجع النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - الذي توفي فيه، حتى إذا كان يوم الاثنين، وهم صفوف في الصلاة، فكشف النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، سِتر الحجرة ينظر إلينا، وهو قائم، كأن وجهه ورقة مصحف، ثم تبسم يضحك، فهممنا أن نفتتن، من الفرح برؤية النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، فنكص أبو بكر على عقبيه،
لِيَصِلَ الصف، وظن أن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - خارج إلى الصلاة، فأشار إلينا النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، أن أتموا صلاتكم، وأرخى الستر، فتوفي من يومه.
(فَأَشَارَ) أي النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - (إِلَيْهِمْ أَنِ امْكُثُوا) أي اثبُتُوا على ما أنتم عليه، قال الفيّوميّ -رحمه اللَّه تعالى-: مَكَثَ مَكْثًا، من باب قَتَل: أقام، وتلبّثَ، فهو ماكثٌ، ومَكُثَ مُكْثًا، فهو مَكِيث، مثل قَرُبَ قُرْبًا، فهو قريب لغةٌ، وقرأ السبعةُ {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ} باللغتين، ويتعدّى بالهمزة، فيقال: أمكثه، وتمكّث في أمره: إذا لم يَعجَل فيه انتهى.
(وَأَلْقَى السَّجْفَ) قال المجد اللغويّ -رحمه اللَّه تعالى-: "السَّجف" -أي بالفتح- ويكسر، وككتاب: السِّتْر، جمعه سُجُوف، وأَسْجَاف، أو السَّجْف: السِّتْرَان المقرونان، بينهما فُرْجة، أو كلُّ باب سُتِرَ بسِتْرين مقرونين، فكلّ شقّ سَجْفٌ، وسِجَاف. انتهى.
(وَتُوُفِّيَ مِنْ آخِرِ ذَلِكَ الْيَومِ)"من" بمعنى "في"، أي في آخر اليوم الذي وقع فيه ما ذُكر، من كشف الستارة، وغيره. قال الحافظ -رحمه اللَّه تعالى-: قوله: "وتوفي من آخر ذلك اليوم" يخدش في جزم ابن إسحاق بأنه مات حين اشتدّ الضحى، ويُجمع بينهما بأن إطلاق الآخر بمعنى ابتداء الدخول في أول النصف الثاني من النهار، وذلك عند الزوال، واشتداد الضحى يقع قبل الزوال، ويستمرّ حتى يتحقّق زوال الشمس. وقد