للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

"المصباح". وقال ابن الأثير -رحمه اللَّه تعالى-: الاحتساب من الحَسَب، كالاعتداد من العَد، وإنما قيل لمن ينوي بعمله وجه اللَّه: احتسبه، لأن له حينئذ أن يعتدّ عملَه، فجُعِلَ في حال مباشرة الفعل كأنه معتدّ به، والحِسْبةُ اسم من الاحتساب، كالعدة من الاعتداد، والاحتسابُ في الأعمال الصالحة، وعند المكروهات: هو البِدَار إلى طلب الأجر، وتحصِيلِهِ بالتسليم والصبر، أو باستعمال أنواع البرّ والقيام بها على الوجه المرسوم فيها، طلبًا للثواب المرجوّة منها انتهى (١).

و"الصبر": مصدر صَبَرَ، يقال: صَبَرتُ صَبْرًا، من باب ضَرَب: حَبَسْتُ النفس عن الْجَزَع. ذكره في "المصباح". وقال في "الفتح": وأحسن ما وصف به الصبر أنه حبس النفس عن المكروه، وعقد اللسان عن الشكوى، والمكابدة في تحمله، وانتظار الفرج، وقد أثنى اللَّه تعالى على الصابرين في عدّة آيات. وأخرج الطبراني بسند صحيح عن ابن مسعود - رضي اللَّه عنه - موقوفًا: "اليقين الإيمان كلّه، والصبر نصف الإيمان"، وأخرجه أبو نعيم في "الحلية"، والبيهقي في "الزهد" مرفوعًا، ولا يصحّ رفعه.

وقال الراغب: الصبر الإمساك في ضيق، صبرتُ الشيءَ حبستُهُ، فالصبر حبس النفس على ما يقتضيه العقل، أو الشرع، وتختلف معانيه بتعلقاته، فإن كان عن مصيبة، سمي صبرًا فقط، وإن كان في لقاء عدوّ سمي شجاعةً، وإن كان عن كلام سمي كتمانًا، وإن كان عن تعاطي ما نهُي عنه سمي عفّةً انتهى (٢).

و"المصيبة": الشدّة النازلة، وجمعها المشهور مَصَائب، قالوا: والأصل مَصَاوب، وقال الأصمعيّ: قد جمُعت على لفظها بالألف والتاء، فقيل: مصيبات، قال: وأرى أن جمعها على مَصَائب من كلام أهل الأمصار. ذكره في "المصباح". واللَّه تعالى أعلم بالصواب.

١٨٦٨ - أَخْبَرَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ, قَالَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ, عَنْ عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ, عَنْ أَبِي عُثْمَانَ, قَالَ: حَدَّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ, قَالَ: أَرْسَلَتْ بِنْتُ النَّبِيِّ - صلى اللَّه عليه وسلم - إِلَيْهِ, أَنَّ ابْنًا لِي قُبِضَ, فَأْتِنَا, فَأَرْسَلَ, يَقْرَأُ السَّلَامَ, وَيَقُولُ: «إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ, وَلَهُ مَا أَعْطَى, وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَ اللَّهِ بِأَجَلٍ مُسَمًّى, فَلْتَصْبِرْ, وَلْتَحْتَسِبْ». فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ, تُقْسِمُ عَلَيْهِ, لَيَأْتِيَنَّهَا, فَقَامَ, وَمَعَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ, وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ, وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ, وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ, وَرِجَالٌ, فَرُفِعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم - الصَّبِيُّ, وَنَفْسُهُ تَقَعْقَعُ, فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ, فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, مَا هَذَا؟ قَالَ: «هَذَا رَحْمَةٌ, يَجْعَلُهَا اللَّهُ, فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ, وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ».


(١) - "النهاية" ج ١ ص ٣٨٢.
(٢) - راجع "الفتح" ج ١٣ ص ٩٤.