للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال ابن بطال -رَحِمَهُ اللَّهُ-: فيه حجة على من قال: إن ريق ابن آدم، ونُخامته نجس، وهو قول يُروَى عن سلمان الفارسيّ، والعلماءُ كلهم على خلافه، والسننُ وردت بردّه، فمعاذ اللَّه أن يكون ريق النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - نجسًا، ونفثه على وجه التبرك به، وهو - صلى اللَّه عليه وسلم - عَلَّمَنَا النظافة، والطهارة، وبه طهّرنا اللَّه تعالى من الأدناس انتهى (١).

ثم إن ظاهر هذا الحديث يقتضي أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - إنما ألبسه قميصه بعد إدخاله حفرته، وهو مخالف لما تقدّم من حديث ابن عمر - رضي اللَّه عنها -، حيث إن ابنه جاء إلى النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، فسأله قميصه، فاعطاه له، وأمره أن يؤذنه بالصلاة، فآذنه، فلما أراد أن يصلي عليه، جذبه عمر الخ، فإن ظاهره أنه أعطاه قميصه أول وفاته، قبل دفنه، وإدخاله في حفرته.

وقد جمُع بينهما بأن معنى قوله في حديث ابن عمر: "فأعطاه" أي أنعم له بذلك، فأطلق على الْعِدَةِ اسم العطية مجازًا، لتحقّق وقوعها، وكذا قوله في حديث جابر: "بعد ما دُفن عبد اللَّه بن أُبيّ" أي دُلّي في حفرته، وكأن أهل عبد اللَّه بن أبيّ خَشُوا على النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - المشقّة في حضوره، فبادروا إلى تجهيزه قبل وصول النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، فلما وصل وجدهم قد دلُّوه في حفرته، فأمر بإخراجه، إنجازًا لوعده في تكفينه في القميص، والصلاة عليه. واللَّه أعلم.

وقيل: أعطاه - صلى اللَّه عليه وسلم - أحد قيميصه أوّلًا، ثم لما حضر أعطاه الثاني بسؤال ولده. وفي "الإكليل" للحاكم ما يؤيّد ذلك. وقيل: ليس في حديث جابر دلالة على أنه ألبسه قميصه بعد إخراجه من القبر، لأن لفظة "فوضعه على ركبتيه، وألبسه قميصه"، والواو لا ترتّب، فلعلّه أراد أن يذكر ما وقع في الجملة من إكرامه له من غير إرادة ترتيب.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا التأويل الأخير عندي حسنٌ جدًّا. واللَّه تعالى أعلم.

(وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ") أي بحال عبد اللَّه بن أبي، هل هو ممن يستحق قبول شفاعته - صلى اللَّه عليه وسلم -؟ فيه، أم لا؟ وهذا من كلام جابر - رضي اللَّه عنه -، كما سيأتي التصريح به في - ٩٢/ ٢٠٢٠ - ولفظه: قال جابر: "وصلى عليه، واللَّه أعلم"، ولفظ "الكبرى": "قال جابر: واللَّه أعلم". وقد قدمنا مثله في حديث ابن عباس، عن عمر - رضي اللَّه عنه -. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسألتان تتعلقان بهذا الحديث:

المسألة الأولى: في درجته: حديث جابر - رضي اللَّه عنه - هذا متفق عليه.


(١) - المصدر المذكور.