منها: ما ترجم له المصنّف -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-، وهو بيان مشروعية الكفن بدون القميص. ومنها: أن الكفن يكون سائرًا لجميع البدن، إن تيسّر، وإلا فستر رأسه أولى. ومنها: ما كان عليه السلف، من الصدق في وصف أحوالهم. ومنها: أن الصبر على مكابدة الفقر، وصعوبته من منازل الأبرار. ومنها: أن هجرة أصحاب رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - لم تكن لدنيا، يصيبونها، ولا نعمة يتعجّلونها، وإنما كانت خالصة للَّه تعالى، ليثيبهم عليها في الآخرة أجرا عظيما، كما وعدهم بذلك، فمن مات منهم قبل فتح البلاد توفّر له ثوابه، ومن بقي حتى نال من طيبات الدنيا خَشِيَ أن يكون عُجّل له أجر طاعته، كما ثبت في قصة عبدالرحمن بن عوف، فقد أخرج البخاريّ في "صحيحه"، فقال:
١٢٧٥ - حدثنا محمد بن مقاتل، أخبرنا عبد اللَّه، أخبرنا شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن أبيه إبراهيم، أن عبد الرحمن بن عوف، - رضي اللَّه عنه -، أُتي بطعام، وكان صائما، فقال: قُتل مصعب بن عمير، وهو خير مني، كفن في بُردة، إن غُطي رأسه، بدت رجلاه، وإن غطي رجلاه، بدا رأسه، وأُراه قال: وقُتل حمزةُ، وهو خير مني، ثم بُسط لنا، من الدنيا ما بسط، أو قال: أعطينا من الدنيا ما أعطينا، وقد خَشِينا أن تكون حسناتنا، عجلت لنا، ثم جعل يبكي، حتى ترك الطعام.
وبالجملة فكانوا أحرص الناس على نعيم الآخرة، - رضي اللَّه تعالى عنهم -، وعنّا معهم برحمته، إنه أرحم الراحمين. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
المسألة الرابعة: دلّ هذا الحديث على أن الكفن من جميع المال:
قال الإمام ابن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: "ذِكْرُ إخراج الكفن قبل قضاء الديون، والوصايا، والمواريث": اختلف أهل العلم في الكفن من أين يُخرَج؟ فقال أكثر أهل العلم: يُخرج من جميع المال، هكذا قال سعيد بن المسيّب، وعطاء، ومجاهد، والحسن البصريّ، وعمرو بن دينار، والزهريّ، وعمر بن عبد العزيز، وقتادة، ومالك، وسفيان الثوريّ، والشافعيّ، وأحمد، وإسحاق، وابن الحسن، وروينا ذلك عن الشعبيّ، والنخعيّ. قال: وبهذا نقول، لأن خبر مصعب بن عُمير دليل على ذلك، وهو قوله:"لم يترك إلا نمرة، كفّن فيها".
قال: وفي المسألة قولان شاذّان: أحدهما قول خِلَاس بن عمرو: إن الكفن من الثلث. والقول الثاني قول طاوس: إن الكفن من جميع المال، وإن كان المال قليلًا، فمن الثلث. وفي حديث ابن عباس - رضي اللَّه عنهما - في قصة المحرم الذي مات دليل على أن