للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عيسى، عن مالك بلفظ: "مَرَّ برسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - جنازة"، والباء على هذا بمعنى "على"، وذكّر الجنازة باعتبار الميت. قاله في "الفتح" (بِجَنَازَةٍ) متعلّق بـ "مُرّ" (فَقَالَ) - صلى اللَّه عليه وسلم - ("مُسْتَرِيحٌ، وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ") قال ابن الأثير -رَحِمَهُ اللَّهُ-: يقال: أراح الرجلُ، واستراح: إذا رجعت إليه نفسه بعد الإعياء انتهى (١).

والواو فيه بمعنى "أو"، والتقدير: هذا الميت، أو كلّ ميت إمْا مستريح، أو مستراح منه، أو بمعناها، على أن هذا الكلام بيان لمقدّر، يقتضيه الكلام، كأنه قال: هذا الميت، أو كلّ ميت أحد رجلين، فقال: مستريح، ومستراح منه. وقال السيوطي: الواو فيه بمعنى "أو"، وهي للتقسيم، وقال أبو البقاء في إعرابه: التقدير الناس، أو الموتى مسريح، أو مستراح منه.

قال السندي: ولا يخفى ما فيه من عدم المطابقة بين المبتدإ والخبر، فليُتأمّل انتهى.

(فَقَالُوا) أي الصحابة - رضي اللَّه عنهم -، قال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: لم أقف على اسم السائل منهم، إلا أن في رواية إبراهيم الحربيّ، عند أبي نُعيم: "قلنا"، فيدخل فيهم أبو قتادة، فيحتمل أن يكون هو السائل انتهى (مَا الْمُسْتَرِيحُ؟، وَمَا الْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟، قَالَ: "الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ) قال ابن التين -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: يحتمل أن يريد بـ "المؤمن" التقيّ خاصّة، ويحتمل كلّ مؤمن. انتهى (يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا) بفتح النون، والصاد المهملة: التعَب وزنا ومعنى، وفي نسخة: "من تعب الدنيا" (وَأَذَاهَا) من عطف العامّ على الخاصّ. قاله في "الفتح". وقال السنديّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ما أشبهه بعطف المتساويين انتهى.

وفي رواية لمسلم: "يستريح من أذى الدنيا، ونَصَبِها إلى -رَحِمَهُ اللَّهُ- " (وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ) قال ابن التين -رَحِمَهُ اللَّهُ-: يحتمل أن يريدب "الفاجر" الكافر، ويحتمل أن يدخل فيه العاصي انتهى.

(يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ، وَالْبِلَادُ، وَالشَّجَرُ، وَالدَّوَابُّ) قال الداوديّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: أما استراحة العباد، فلما يأتي به من المنكرات، فإن أنكروا عليه آذاهم، وإن تركوه أثموا، واستراحة البلاد مما يأتى به من المعاصى، فإن ذلك مما يحصل به الْجَدْب، فيقتضي هلاك الحرث والنسل.

وتعقّب الباجي أوّلَ كلامه بأن من ناله أذاه لا يأثم بتركه، لأنه بعد أن ينكر بقلبه، أو ينكر بوجه، لا يناله به أذى.

ويحتمل أن يكون المراد براحة العباد منه، لما يقع لهم من ظلمه، وراحةُ الأرض منه


(١) - "النهاية" ج ٢ ص ٢٧٤.