للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

اللَّه تعالى-: الثناء بالفتح والمدّ، يقال: أثنيت عليه خيرًا، وبخير، وأثنيت عليه شرّا، وبشرّ، لأنه بمعنى وَصَفْتُهُ، هكذا نصّ عليه جماعة، منهم صاحب "المحكم"، وكذلك صاحب "البارع"، وعزاه إلى الخليل، ومنهم محمد بن القُوطِيّة، وهو الحبر الذي ليس في منقوله غَمْزٌ، والبحر الذي ليس في منقوده لَمْز، وكأن الشاعر عَنَاه بقوله:

إِذَا قَالَتْ: حَذَامِ فَصَدِّقُوهَا … فَإنَّ الْقَوْلَ مَا قَالَتْ: حَذَامِ

وقد قيل فيه: هو العالم النَّحْرير، ذو الإتقان والتحرير، والحجّةُ لمن بعده، والبُرْهان الذي يوقَف عنده.

وتبعه على ذلك مَن عُرف بالعدالة، واشتَهَرَ بالضبط، وصحّة المقالة، وهو السَّرَقُسْطِيُّ، وابن القَطّاع، واقتصر جماعة على قولهم: أثنيت عليه بخير، ولم يَنفُوا غيرَه، ومن هذا اجترأ بعضهم، فقال: لا يُستعمَل إلا في الحسن، وفيه نظر؛ لأن تخصيص الشيء بالذكر لا يدلّ على نفيه عما عداه، والزيادة من الثقة مقبولة، ولو كان الثناء لا يُستعمل إلا في الخير كان قول القائل: أثنيت على زيد كافيًا في المدح، وكان قوله: "له الثناء الحسن"، لا يُفيد إلا التاكيد، والتأسيسُ أولى، فكان في قوله: "الحسن" احترازٌ عن غير الحسن، فإنه يُستعمل في النوعين، كما قال: "والخير في يديك، والشرّ ليس إليك". وفي "الصحيحين": مَرُّوا بجنازة، فأثنوا عليها خيرًا … "، فقال - صلى اللَّه عليه وسلم -: "وَجَبَت"، ثم مرّوا بأخرى، فأثنوا عليها شرّا، فقال - صلى اللَّه عليه وسلم -: "وَجبت وسُئل عن قوله: "وجبت؟ فقال: "هذا أثنيتم عليه خيرّا، فوجبت له الجنّة، وهذا أثنيتم عليه شرّا، فوجبت له النار … " الحديث. وقد نُقِل النوعان في واقعتين، تراخت إحداهما عن الأخرى، من العدل الضابط، عن العدل الضابط، عن العرب الفصحاء، عن أفصح العرب، فكان أوثق من نقل أهل اللغة، فإنهم قد يَكتفون بالنقل عن واحد، ولا يُعرَف حاله، فإنه قد يَعْرِض له ما يُخرجه عن حيِّزِ الاعتدال، من دَهَشٍ، وسُكْرٍ، وغير ذلك، فإذا عُرِف حاله لم يُحتجّ بقوله.

وَيرجِع قول من قال: لا يُستعمل إلا في الشرّ إلى النفي، وكأنه قال: لم يُسمع، فلا يقال، والإثبات أولى، ولله درّ من قال:

وَإِنَّ الْحَقَّ سُلْطَانٌ مُطَاعُ … وَمَا لِخِلَافِهِ أَبدًا سَبِيلُ

وقال بعض المتأخرين: إنما استُعمل في الشرّ في الحديث للازدواج. وهذا كلام من لا يَعرف اصطلاح أهل العلم بهذه اللفظة. انتهى كلام الفيّوميّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- (١).


(١) - "المصباح المنير في غريب الشرح الكبير" في مادة ثنى.