للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وفيه نظر، نعم المشهور من أقوال العلماء الوجوب، وصرّح جمهور الشافعية، والحنابلة بأنها فرض عين، ونصّ عليه مالك، وعن بعض الشافعية، والحنابلة أنها مستحبّة، وذكر اللخميّ من المالكية أنه المذهب، وكلام صاحب الهداية يقتضي الوجوب مع تصريحه بأنها سنّة، فكأنه أراد أنها وجبت بالسنّة، وليست فرضًا، كما عُرف من قاعدتهم، وعن بعض الشافعيّة، والحنابلة هي فرض كفاية، وحكى ابن دقيق العيد في "شرح الإلمام" أن محلّ ذلك إذا عمّت الدعوة، أما لو خصّ كلَّ واحد بالدعوة، فإن الإجابة تتعيّن.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الحقّ أن إجابة الدعوة واجبة؛ لصراحة الأدلّة في ذلك، كقوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "إذا دعا أحدكم أخاه، فليُجب". رواه مسلم. وقوله: "إذا دُعي أحدكم إلى وليمة عُرس، فليُجب"، وقوله: "من دُعي إلى عرس، أو نحوه فليجب". رواهما مسلم أيضًا. وكقوله: "من دُعي، فلم يُجب، فقد عصى اللَّه ورسوله". رواه أبو داود، إلى غير ذلك من الأدلّة التي تدلّ على الوجوب، ولا صارف لها عنه. واللَّه تعالى أعلم.

وقال في "الفتح" أيضًا: وشرط وجوبها أن يكون الداعي مكلّفًا حرّا رَشِيدًا، وأن لا يخصّ الأغنياء دون الفقراء، وأن لا يُظهر قصد التودّد لشخص بعينه لرغبة فيه، أو رهبة منه، وأن يكون الداعي مسلمًا على الأصحّ، وأن يخصّ باليوم الأول على المشهور، وأن لا يُسبَقَ، فمن سَبَقَ تعينت الإجابة له، دون الثاني، وإن جاءا معًا قُدّم الأقرب رحمًا على الأقرب جوارًا على الأصحّ، فإن استويا أُقرع، وأن لا يكون هناك ما يتأذّى بحضوره، من منكر وغيره، وأن لا يكون له عذرٌ، وضبطه المارديّ بما يُرخّص به في ترك الجماعة. انتهى (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: ستكون لنا عودة إلى هذا البحث في محله من "كتاب النكاح"، إن شاء اللَّه تعالى. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

المسألة الثامنة: في اختلاف أهل العلم، هل الدعوة، تخصّ وليمة العرس، أم تعمّ غيرها؟:

قال الإمام البخاريّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- في "صحيحه": "باب إجابة الدعوة في العُرس، وغيره".

ثم أخرج بسنده عن نافع، قال: سمعت عبد اللَّه بن عمر - رضي اللَّه عنهما - يقول: قال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "أجيبوا هذه الدعوة، إذا دُعيتم لها"، قال: كان عبد اللَّه يأتي الدعوة في العُرس وغير العُرس، وهو صائم انتهى.


(١) - "فتح" ج ١٠ ص ٣٠٢. طبعة دار الفكر.