للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بتقديم عمر بن الخطاب الناس أمام جنازة زينب بنت جحش (١).

وقال أصحاب الرأي: لا بأس بالمشي قدّامها، والمشيُ خلفها أحبّ إلينا. وقال إسحاق ابن راهويه: يتاخر أحبّ إلينا، وقد روينا عن عليّ أنه مشى خلفها. وسئل الأوزاعيّ عن المشي أمام الجنازة؟ فقال: هو سعة، والأفضل عندنا خلفها.

وقالت طائفة: إنما أنتم مُتَّبِعُون، تكونون بين يديها، وخلفها، وعن يمينها، وعن شمالها، هذا قول مالك بن أنَس، وبه قال معاوية بن قرّة، وسعيد بن جبير. وقال إسحاق في موضع آخر: لا بأس أن يمشي الرجل أمام الجنازة، وخلفها قريبًا.

قال ابن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: المشي أمام الجنازة، وخلفها، وعن شمالها (٢) جائز، والمشي أمامها أحبّ إليّ، لحديث ابن عمر - رضي اللَّه عنهما -يعني حديثه الآتي عند المصنّف بعد هذا- ولأن عليه الأكثرَ من أصحاب رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، والتابعين، ومن بعدهم.

فليُكثِر مع تبع الجنازة، حيث مشى منها ذكرَ الموت، والفكر في صاحبهم، وأنهم صائرون إلى ما صار إليه، وليستعدّوا للموت، ولِمَا بعده، سَهَّل اللَّه لنا حسن الاستعداد، واللقاء به انتهى كلام ابن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- (٣).

وقال الحافظ ابن عبدالبرّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- بعد أن ذكر الاختلاف بين العلماء في هذه المسألة: ما نصّه:

قال أبو عمر: المشي أمام الجنازة أكثر عن العلماء، من الصحابة، والتابعين، ومن بعدهم من الخالفين، وهو مذهب الحجازيين، وهو الأفضل -إن شاء اللَّه- ولا بأس عندي بالمشي خلفها، وحيث شاء الماشي منها، لأن اللَّه - عزّ وجلّ - لم يَحظُر ذلك، ولا رسوله - صلى اللَّه عليه وسلم -، ولا أعلمُ أحدًا من العلماء كره ذلك، ولا ذكر أن مشي الماشي خلف الجنازة يُحبط أجره فيها، ويكون كمن لم يشهدها، وقد قال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "من شهد الجنازة، حتى يصلي، فله قيراط، ومن شهدها حتى تُدفن كان له قيراطان". ولم يخصّ الماشي خلفها من الماشي أمامها انتهى كلام ابن عبد البر -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- (٤).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الذي قاله الإمامان الحافظان: أبو بكر ابن المنذر، وأبو عمر ابن عبد البرّ -رحمهما اللَّه تعالى- هو الحقّ عندي.

وحاصله أن المشي أمام الجنازة، أفضل، لحديث ابن عمر - رضي اللَّه عنهما - الآتي بعد هذا، وهو حديث صحيح، والجواب عن إعلاله سيأتي قريبًا، إن شاء اللَّه تعالى، ولأنه عَمَلُ


(١) - قال ابن المنذر: حدثنا إسحاق، عن عبد الثوريّ، عن الثوريّ، عن محمد بن المنكدر، قال: أخبرني شيخ لنا يقال له: ربيعة بن عبد اللَّه بن الحدير، قال: رأيت عمر بن الخطاب يضرب الناس يقدّمهم أمام جنازة زينب بنت جحش انتهى. وإسناده صحيح، وربيعة بن عبد اللَّه من رجال البخاريّ.
(٢) - الظاهر أنه سقط من النسخة لفظة "وعن يمينها". واللَّه تعالى أعلم.
(٣) - "الأوسط" باختصار ج ٥ ص ٣٨٠ - ٣٨٤.
(٤) - "الاستذكار" ج ٨ ص ٢٢٢ - ٢٢٣. بتغيير نصّ الحديث بنصّ حديث البخاريّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-.