للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وسيأتي تمام البحث فيه قريبًا، إن شاء اللَّه تعالى. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

المسألة الرابعة: في المراد بالصلاة على الميت:

(اعلم): أن المراد بالصلاة هنا هي الصلاة المعهودة الشرعية، لا الصلاة اللغوية، التي هي الدعاء، كما زعم بعضهم، وقد أشار الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- إلى الرّدّ على هذا الزعم، فبوّب له في "صحيحه"، فقال: "باب سنة الصلاة على الجنائز"، وقال النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -: "من صلى على الجنازة"، وقال: "صلوا على صاحبكم"،

وقال: "صلوا على النجاشيّ" سماها صلاة، ليس فيها ركوع ولا سجود، ولا يُتكَلَّمُ فيها، وفيها تكبير وتسليم. وكان ابن عمر لا يصلي إلا طاهرًا، ولا يصلي عند طلوع الشمس، ولا غروبها، ويرفع يديه. وقال الحسن: أدركت الناس، وأحقهم على جنائزهم من رضوه لفرائضهم. وإذا أحدث يوم العيد، أو عند الجنازة يطلب الماء ولا يتيمم، وإذا انتهى إلى الجنازة، وهم يصلون يدخل معهم بتكبيرة. وقال ابن المسيب: يكبر بالليل والنهار، والسفر والحضر أربعًا. وقال أنس - رضي اللَّه عنه -: تكبيرة الواحد استفتاح الصلاة. {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} الآية [التوبة: ٨٤]. وفيه صفوف، وإمام. ثم أخرج بسنده عن الشعبي قال: أخبرني من مرّ مع نبيكم - صلى اللَّه عليه وسلم - على قبر منبوذ، فأمنا، فصففنا خلفه، فقلنا: يا أبا عمرو من حدثك؟ قال: ابن عباس - رضي اللَّه عنهما -. انتهى كلام البخاري -رَحِمَهُ اللَّهُ-.

قال في "الفتح": قال الزين ابن المنيِّر: المراد بالسنة ما شرعه النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - فيها يعني فهو أعم من الواجب والمندوب، ومراده بما ذكره هنا من الآثار والأحاديث أن لها حكم غيرها من الصلوات من الشرائط والأركان، وليست مجرد دعاء، فلا تجزئ بغير طهارة مثلًا. وقال في "الفتح" أيضًا: قال ابن رشد نقلًا عن ابن المرابط وغيره: ما محصّله: مراد هذا الباب الرد على من يقول: إن الصلاة على الجنازة إنما هي دعاء لها، واستغفار، فتجوز على غير طهارة. فحاول المصنف الردّ عليه من جهة التسمية التي سماها رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، ولو كان الغرض الدعاء وحده لما أخرجهم إلى البقيع، ولدعا في المسجد، وأمرهم بالدعاء معه، أو التأمين على دعائه، ولما صفهم خلفه، كما يصنع في الصلاة المفروضة والمسنونة. وكذا وقوفه في الصلاة، وتكبيره في افتتاحه، وتسليمه في التحلل منها، كل ذلك دالّ على أنها على الأبدان، لا على اللسان وحده، وكذا امتناع الكلام فيها، وإنما لم يكن فيها ركوع ولا سجود؛ لئلا يتوهم بعض الجهلة أنها عبادة للميت، فيضل بذلك. انتهى ما في "الفتح"، وهو بحث نفيس جدًّا. واللَّه