للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(أَن رَجُلاً مِنَ الْأَعْرَابِ) لم أر من سماه (جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فَآمَنَ بِهِ، وَاتَّبَعَهُ) من عطف اللازم على الملزوَم، لأن الإيمان يستلزم الاتباع (ثُمَّ قَالَ: أُهَاجِرُ مَعَكَ) أي قال للنبي - صلى اللَّه عليه وسلم -: أترك بلدي، وأكون معك في المدينة، وإنما طلب ذلك منه رغبةً فيما أعدّ للمهاجرين من الثواب، وليتمكّن من الخروج للجهاد ونحوه، بسهولة (فَأَوْصَى بِهِ النَّبِيُّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، بَعْضَ أَصْحَابِهِ) عطف على مقدّر، أي أذن له - صلى اللَّه عليه وسلم - في أن يهاجر، وأن يكون معه، ثم أوصى، أي أمر النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - بعض الصحابة، ليقوم بأمره، حيث إنه غريب، يحتاج إلى من يساعده في أموره.

فإن قلت: ظاهر هذا الحديث يعارض ما أخرجه الشيخان، وأبو داود، والمصنّف (١) من حديث أبي سعيد الخدريّ - رضي اللَّه عنه - أن أعرابيا، سأل رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - عن الهجرة؟، فقال: "ويحك، إن شأن الهجرة شديد، فهل لك من إبل؟ "، قال: نعم، قال: "فهل تؤدي صدقتها"، قال: نعم، قال: "فاعمل من وراء البحار (٢)، فإن اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-، لن يَتِرَك (٣) من عملك شيئا".

فإنه يدلّ على أن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، لم يأذن لهذا الأعرابيّ في الهجرة، بخلاف الأعرابي المذكور في حديث الباب، فقد أذن له فيها، فكيف توفّق بينهما؟.

قلت: يجمع بينهما بأن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - كان يعامل كلّ أحد بما يناسب حاله، فالأعرابيّ في حديث أبي سعيد الخدريّ - رضي اللَّه عنه - كان ممن لا يتحمّل مشقة الغربة عى أهله، ووطنه، بخلاف الأعرابيّ الذي في حديث الباب، فإنه كان ممن يتحمّل المشاقّ في سبيل اللَّه، كما ظهر مصداق ذلك في إعراضه عن الغنائم، واشتياقه إلى النعيم المقيم الدائم، فمنع الأول من الهجرة، وأذن للثاني فيها، نظرًا لمصلحة كلّ منهما، واللَّه تعالى أعلم.

(فَلَمَّا كَانَتْ غَزْوَةْ) لم أعرف هذه الغزوة، و"كان" هنا تامّة، ولذا اكتفت بمرفوعها، كما قال ابن مالك -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "الخلاصة":

..................... … وَذُو تَمَامٍ مَا بِرَفْعٍ يَكْتَفِي

وقال الحريري -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "ملحته":

وَإِنْ تَقُلْ يَا قَوْمِ قَدْ كَانَ الْمَطَرْ … فَلَسْتَ تَحْتَاجُ لَهَا إِلَى خَبَرْ

(غَنِمَ) بكسر النون، يقال: غَنِمْتُ الشيءَ أَغْنَمُهُ، من باب تَعِبَ، غُنْمًا بالضمّ: أَصَبْتُهُ


(١) - سيأتي للمصنف في "كتاب الجهاد" برقم ١١/ ٤١٦٤.
(٢) - أي من وراء القرى والمدن.
(٣) - أي لن يَنقُصك، كما في قوله تعالى: {وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [سورة محمد - صلى اللَّه عليه وسلم -: ٣٥].