المسألة الثانية: في بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:
أخرجه هنا -٩٩/ ٢٠٣٠ - وفي "الكبرى" ٩٩/ ٢١٥٧. وأخرجه (م) ٢٢٣٩ (د) ٣٢١٩ (أحمد) ٢٣٤٣٩. واللَّه تعالى أعلم.
المسألة الثالثة: دلّ حديث فضالة - رضي اللَّه عنه - عنه هذا أن المشروع تسوية القبر، لا تسنيمه، وفيه حلاف بين أهل العلم:
قال في "الفتح": عند شرح ما أخرجه البخاريّ من طريق أبي بكر بن عياش، عن سفيان التمار أنه حدثه، "أنه رأى قبر النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - مسنّما": ما نصّه: قوله: "مسنّمًا" أي مرتفعًا، زاد أبو نعيم في "المستخرج": "وقبر أبي بكر، وعمر كذلك".
واستدلّ به على أن المستحبّ تسنيم القبور، وهو قول أبي حنفية، ومالك، وأحمد، والمزنيّ، وكثير من الشافعية، وادعى القاضي حسين اتفاق الأصحاب عليه. وتعقّب بأن جماعة من قدماء الشافعيّة استحبّوا التسطيح، كما نصّ عليه الشافعيّ، وبه جزم الماورديّ، وآخرون. وقول سفيان التمّار لا حجة فيه، كما قال البيهقيّ؛ لاحتمال أن قبر النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - لم يكن في الأول مسنّمًا، فقد روى أبو داود، والحاكم من طريق القاسم ابن محمد بن أبي بكر، قال:"دخلتُ على عائشة - رضي اللَّه عنهما -، فقلت: يا أمه اكشفي لي عن قبر رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، وصاحبيه، فكشفت له عن ثلاثة قبور، لا مشرفة، ولا لاطئة، مبطوحة ببطحاء العَرْصَة (١) الحمراء"، زاد الحاكم:"فرأيت رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - مقدّمًا، وأبا بكر رأسه بين كتفي النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، وعمر رأسه عند رجلي النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -. وهذا كان في خلافة معاوية - رضي اللَّه عنه - فكأنها كانت في الأول مسطّحة، ثم لما بُني جدار القبر في إمارة عمر بن عبدالعزيز على المدينة من قِبَلِ الوليد بن عبد الملك صيّروها مرتفعة.
وقد روى أبو بكر الآجريّ في "كتاب صفة قبر النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - " من طريق إسحاق بن عيسى ابن بنت داود بن أبي هند، عن غُنيم بن بسطام المدينيّ، قال: رأيت قبر النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - في إمارة عمر بن عبدالعزيز، فرأيته مرتفعًا، نحوًا من أربع أصابع، ورأيت قبر أبي بكر وراء قبره، ورأيت قبر عمر وراء قبر أبي بكر أسفل منه.
ثم الاختلاف في ذلك في أيهما أفضل، لا في أصل الجواز، ورجّح المزنيّ التسنيم من حيث المعنى بأن السطيح يشبه ما يُصنع للجلوس، بخلاف المسنّم، ورجحه ابن قُدامة بأنه يشبه أبنية أهل الدنيا، وهو من شعار أهل الباع، فكان التسنيم أولى. ويرجّح التسطيح ما رواه مسلم من حديث فَضَالة بن عُبيد أنه أمر بقبر فسويّ، ثم قال: "سمعت
(١) - العرصة بفتح، فسكون البقعة الواسعة التي ليس فيها بناء. اهـ "المصباح".