(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) - رضي اللَّه عنه - أنه (قَالَ: زَارَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم - قَبْرَ أُمِّهِ) أي بالأبواء، بين مكة والمدينة، وذلك عام الفتح، قال القاضي عياض -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: سبب زيارته - صلى اللَّه عليه وسلم - قبرها أنه قصد الموعظة والذكرى بمشاهدة قبرها، ويؤيده قوله - صلى اللَّه عليه وسلم - في آخر الحديث:"فزروا القبور، فإنها تذكر الموت". وقيل: زيارته - صلى اللَّه عليه وسلم - قبرها مع أنها كافرة تعليم منه للأمة حقوق الوالدين، والأقارب، فإنه لم يترك قضاء حقها مع كفرها (فَبَكَى) قال القاضي: بكاؤه - صلى اللَّه عليه وسلم - على ما فاتها من إدراكه، والإيمان به. وقيل: على عذابها. وفيه دليل على جواز البكاء عند حضور المقابر (وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ، وَقَالَ:"اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي -عَزَّ وَجَلَّ-، فِي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا) قال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: يحتمل أن يكون هذا الاستئذان قبل نزول قوله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى} الآية [التوبة:١١٣]. وِيحتمل أن يكون بعد ذلك؛ وارتجى خصوصية أمه بذلك، واللَّه تعالى أعلم، وهذا التأويل الثاني أولى انتهى (١).
(فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي) بالبناء للمفعول، وفي نسخة: "فلم يأذن لي" بالبناء للفاعل. قال ابن الملك -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: لأنها كافرة، والاستغفار للكافرين لا يجوز؛ لأن اللَّه لا يغفر لهم أبدًا. وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- فيه النهي عن الاستغفار للكفّار. وقال الشوكانيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: فيه دليل على عدمِ جواز الاستغفار لمن مات على غير مدة الإسلام.
(وَاسْتَأذَنْتُ فِي أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا، فَأَذِنَ لِي) بصيغة المجهول، مراعاة لقوله: "فلم يؤذن لي "، ويجوز أن يكون بصيغة المبنيّ للفاعل (فَزُورُوا الْقُبُورَ، فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمُ الْمَوْتَ") أي وذكر الموت يزهّد في الدنيا، ويرغّب في العقبى. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
المسألة الأولى: في درجته: حديث أبي هريرة - رضي اللَّه عنه - هذا أخرجه مسلم.
المسألة الثانية: في بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:
أخرجه هنا -١٠١/ ٢٥٣٤ - وفي "الكبرى" ١٠١/ ٢١٦١ - وأخرجه (م) ٢٢٥٥ و ٢٢٥٦ (د) ٣٢٣٤ (ق) ١٥٦٩ و ١٥٧٢ (أحمد) ٩٣٩٥. واللَّه تعالى أعلم.