للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فضل عظيم، ولف جسيم من اللَّه تعالى لعباده المؤمنين. ومنها: أنه يستفاد منه أهمية التوحيد، حيث إنه هو المسؤول عنه في أول منزل من منازل الآخرة، فينبغي للعبد أن يخلص في توحيده، ولا يدنسه بالمعاصي، ولا سيما المعاصي التي تؤدي إلى الشرك، وإن كان خفيا. نسأل اللَّه تعالى أن يحيينا على التوحيد، وأن يميتنا عليه، ويبعثنا عليه، إنه بعباده لرؤوف رحيم. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

المسألة الرابعة: في أقوال أهل العلم في عذاب القبر:

قال الحافظ وليّ الدين -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: ما حاصله: إثبات عذاب القبر مذهب أهل السنة، وقد تظاهرت عليه أدلّة الكتاب والسنّة، ولا يمتنع في العقل أن يعيد اللَّه تعالى الحياة في جزء من الجسد، ويعذّبه، وإذا لم يمنعه العقل، وورد به الشرع وجب قبوله، وقد خالف في ذلك الخوارج، ومعظم المعتزلة، وبعض المرجئة، ونفوا ذلك.

ثم المعذب عند أهل السنة الجسد بعينه، أو بعضه، بعد إعادة الروح إليه، أو إلى جزء منه، وخالف محمد بن جرير الطبريّ، وعبد اللَّه بن كرام، وطائفة، فقالوا: لا يشترط إعادة الروح، قال أصحابنا: وهذا فاسد؛ لأن الألم، والإحساس، إنما يكون في الحيّ، قال أصحابنا: ولا يمنع من ذلك كون الميت قد تفرّقت أجزاؤه، كما نشاهد في العادة، أو أكلته السباع، أو حيتان البحر، أو نحو ذلك، فكما أن اللَّه تعالى يُعيده للحشر، وهو -عَزَّ وَجَلَّ- قادر على ذلك، فكذا يعيد الحياة إلى جزء منه، أو أجزاء، وإن أكلته السباع، والحيتان.

فإن قيل: فنحن نشاهد الميت على حاله في قبره، فكيف يُسأل، ويُقعد، وُيضرَب بمطارق من حديد، ويعذّب، ولا يظهر له أثر؟.

فالجواب: أن ذلك غير ممتنع، بل له نظير في العادة، وهو النائم، فإنه يجد لذّة، وآلامًا، لا نُحسّ نحن شيئًا منها، وكذا يجد اليقظان لذّةً، وألمًا لما يسمعه، أو يفكّر فيه، ولا يشاهد ذلك جليسه منه، وكذا كان جبريل - عليه السلام - كان يأتي النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فيخبره بالوحي الكريم، ولا يدركه الحاضرون، وكلّ هذا واضح، ظاهر، جليّ انتهى كلام وليّ الدين -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: قد تقدّم بيان الاختلاف في عذاب القبر في "أبواب الطهارة" -٢٧/ ٣١ - بأتم مما هنا، فراجعه، تستفد. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.


(١) - "طرح التثريب" ج ٣ ص ٣٠٦.