ومجاهد بن جبر تقدّم أيضًا غير مرة. واللَّه تعالى أعلم.
شرح الحديث
(عَنْ مُجَاهِدٍ,) بن جَبْر المكيّ الإمام الثقة الثبت (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ) - رضي اللَّه عنهما -، وفي الرواية التالية أدخل بين مجاهد، وابن عباس طاوسًا، وكلاهما محفوظ، ولذا أخرج البخاريّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- الحديث بكلتا الريقين، كما تقدّم البحث عن ذلك في ٢٧/ ٣١ (قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم - بحَائِطٍ) أي ببستان (مِنْ حِيطَانِ مَكَّةَ، أَوِ الْمَدِينَةِ) هكذا في رواية البخاريّ أيضًا بالشكّ، قال الحافظ: والشكّ في قوله: "أو مكّة" من جرير. وفي "الأدب المفرد" له: "خرج النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - من بعض حيطان المدينة". قال في "الفتح": فيحمل أن الحائط الذي خرج منه غير الحائط الذي مرّ به انتهى (سَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ، يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "يُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كبِيرٍ) أي بسبب أمر كبير يشقّ عليهما تركه (ثُمَّ قَالَ: "بَلَى") أي إنه لكبير، وفي رواية: "وما يعذّبان في كبير، وإنه لكبير" (كَانَ أَحَدُهُمَا، لَا يَسْتَبْرِئُ مِنْ بَوْلِهِ) أي لا يتطهّر منه، وفي الرواية المتقدمة: "فكان لا يستنزه من بوله" (وَكَانَ الآخَرُ يَمْشِي بالنَّمِيمَةِ") أي يسعى بالفساد بين القوم، بأن ينقل لكل واحد منهم ما يقوله الآخر، من الشتم، والأذى (ثُمَّ دَعَا بِجَرِيدَةٍ) أي طلب من الصحابة أن يأتوه بجريدة. وهي فعلية بمعنى مفعولة، وهى واحدة الجريد، وهو سَعَفُ النخل، وإنما تسمّى جريدة إذا جُرِّدَ عنها خُوصها. قاله في "المصباح"(فَكَسَرَهَا كِسْرَتَينِ فَوَضَعَ عَلَى كُلِّ قَبْرٍ، مِنْهُمَا كِسْرَةً) وفي الرواية التالية: "ثم أخذ جريدة رطبة، فشقها نصفين، ثم غرز في كل قبر واحدة". وفي رواية عبد بن حميد:"ثم غرز عند رأس كلّ واحدة منهما قطعة" (فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِمَ فَعَلْتَ هَذَا؟، قَالَ:؟ "لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُمَا) أي يخفف العذاب عن المقبورين (مَا) مصدرية ظرفية (لَمْ يَيْبَسَا") أي مدة عدم جفاف العودين (أَوْ) للشكّ من الراوي (إِلَى أَنْ يَيْبَسَا) واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلق بهذا الحديث:
المسألة الأولى: في درجته: حديث ابن عباس - رضي اللَّه تعالى عنهما - هذا متفق عليه.
المسألة الثانية: في بيان مواضع ذكر المصنف له، وفيمن أخرجه معه:
أخرجه هنا -١١٦/ ٢٠٦٨ و ٢٠٦٩ و ٢٧/ ٣١ وفي "الكبرى" ١١٦/ ٢١٩٥ و ٢١٩٦. وأخرجه (خ) ٢١٦ و ٢١٨ و ١٣٦١ و ١٣٧٨ و ٦٠٥٢ و٦٠٥٥ (م) ٢٩٢ (د) ٢٠ (ت) ٧٠ (ق) ٣٤٧ (أحمد) ١٩٨١ (الدارمي) ٧٣٩. واللَّه تعالى أعلم.