للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بمعنى الواو، والمعنى عليه أن عجب الذنب يبلى أيضًا، وهو قول ضعيف، سيأتى الردُّ عليه في المسألة الرابعة، إن شاء اللَّه تعالى.

"وعَجْبُ الذّنَب": بفتح العين المهملة، وحَكَى صاحب "المحكم" ضمها أيضًا، وإسكان الجيم، وآخره باء موحدة، ويقال له: "عَجْمُ الذنب" بالميم أيضًا، وفي عينه الوجهان، وحكى في "المحكم" عن اللحيانيّ، أن الميم بدل من الباء، قال في "المشارق": رواه بعض رواة القعنبيّ في "الموطإ"، وهو العظم اللطيف الذي في أسفل الصلب، وأعلى ما بين الأليتين، وهو رأس العصعص، وهو مكان رأس الذنب، من ذوات الأربع، من الحيوان، وكانه لهذا أضيف إلى الذنَبِ. وروى أبو بكر بن أبي داود في "كتاب البعث والنشور" من حديث أبي سعيد، أنه قيل: وما هو يا رسول اللَّه؟ قال: "مثل حبّة خردل، منه تنشأون". وعزاه أبو العباس القرطبيّ لـ"كتاب البعث" لابن أبي الدنيا، وهذا يدلّ على صغره جدًّا. قاله وليّ الدين -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- (١).

وقال في "الفتح": قال ابن الجوزيّ: قال ابن عقيل: للَّه في هذا سرّ، لا يعلمه إلا اللَّه، لأن من يُظهِر الوجود من العدم لا يحتاج إلى شيء يَبنِي عليه. ويحتمل أن يكون ذلك علامة للملائكة على إحياء كلّ إنسان بجوهره، ولا يحصل العلم للملائكة بذلك إلا بإبقاء عظم كلّ شخص؛ ليعلم أنه ربما أراد بذلك إعادة الأرواح إلى تلك الأعيان التي هي جزء منها، ولولا إبقاء شيء منها لجوّزت الملائكة أن الإعادة إلى أمثال الأجساد، لا إلى نفس الأجساد. انتهى.

وقال السنديّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: وظاهر الحديث أنه -يعني عجب الذنب- يبقى، قيل: هو عظم لطيف، هو أول ما يخلق من الآدميّ، ويبقى منه؛ ليعاد تركيب الخلق عليه، وهذا هو الموافق لما روى ابن أبي الدنيا عن أبي سعيد الخدريّ - رضي اللَّه عنه -، قيل: يا رسول اللَّه، وما هو؟، قال: "مثل حبة خردل". وقال المظهريّ: أراد طول بقائه، لا أنه لا يبلى أصلًا؛ لأنه خلاف المحسوس. وقيل: أمر العَجَب عَجَبٌ، فإنه آخر ما يَخلُقُ، وأول ما يُخلَقُ، الأول بفتح الياء، أي يصير خَلَقًا، والثاني بضمها انتهى (٢).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الذي نقله السنديّ عن المظهريّ، من أن عجب الذنب يبلى قول مخالف للحديث الصحيح الذي معنا، حيث بين أنه لا يبلى، فلا يُلفت إليه. واللَّه تعالى أعلم.

(مِنْهُ خُلِقَ) أي أنَّ أول ما خُلِقَ من الإنسان هو (وَفِيهِ يُرَكَّبُ) أي إن اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- يبقيه إلى أن يُرَكّب الخلق منه تارة أخرى، يعني أنه يعيد خلقه في الآخرة من عجب


(١) - المصدر السابق.
(٢) - "شرح السندي" ج ٣ ص ١١٢.