للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بل قد يحصل لغيرهم من أهل الصلاح، والتقوى، فقد سمعتُ أخبارًا ممن لا أشك في كونهم ثقات أنهم وجدوا بعض أهل العلم، والصلاح، والزهد في قبورهم، كيوم موتهم. {وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [البقرة: ١٠٥]. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

المسألة الرابعة: استدل جمهور أهل العلم بظاهر قوله: "إلا عجب الذنب" على أنّ عجب الذنب لا يبلى، ولا تأكله الأرض، بل يبقى على حاله، وإن بلي جميع جسد الميت، وخالف في ذلك المزنيّ، فقال: إن عجب الذنب يبلى أيضًا، فلم يجعل "إلّا" للاستثناء، بل هي عاطفة، كالواو، فكأنه قال: وعجب الذنب، وقد حُكي إثبات هذا المعنى لـ "إلا" عن الأخفش، والفرّاء، وأبي عبيدة، وأنكره الجمهور، وأوّلوا ما استدلّوا به، ويردّه في هذا الموضع كونه عقّب ذلك بقوله: "منه خُلق، وفيه يركّب"، أي أنه أول ما يُخلَقُ من الآدميّ، وهو الذي يبقى منه ليعاد تركيب الخلق عليه، فلو ساوى عجب الذنب غيره في البلاء لم يبق لهذا الكلام محلّ. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب (١).

المسألة الخامسة: ظاهر هذا الحديث أن عجب الذنب أول مخلوق من الآدميّ، وروي عن سلمان - رضي اللَّه عنه - أنه قال: "أول ما خلق اللَّه من آدم رأسه، فجعل ينظر، وهو يُخلَق". ذكره ابن عبد البرّ بإسناد منقطع، فلم يصحّ هذا، ولو صحّ عنه، فاتباع الحديث أولى، وقد يقال: لا منافاة بينهما؛ لأن الحديث في ابن آدم، والأثر عن سلمان - رضي اللَّه عنه - في آدم نفسه، فيمكن أن يكون أول مخلوق من آدم رأسه، ومن بنيه عجب الذنب. ويحتمل أن يكون أول مخلوق من آدم عجب الذنب كبنيه، ويكون معنى كلام سلمان إن صحّ عنه أن أول ما نفخ فيه الروح من آدم رأسه، ويوافق ذلك قول ابن جريج: يقولون: إن أول ما نُفخ في يافوخ آدم. أفاده ولي الدين -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- (٢) وهو بحث نفيس. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.

٢٠٧٨ - أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ, قَالَ: حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ اللَّيْثِ, قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ, عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ, عَنْ أَبِي الزِّنَادِ, عَنِ الأَعْرَجِ, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, قَالَ: عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -, «قَالَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ, وَلَمْ يَكُنْ يَنْبَغِي لَهُ, أَنْ يُكَذِّبَنِي, وَشَتَمَنِي ابْنُ آدَمَ, وَلَمْ يَكُنْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْتِمَنِي, أَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ, فَقَوْلُهُ: إِنِّي لَا أُعِيدُهُ, كَمَا بَدَأْتُهُ, وَلَيْسَ آخِرُ الْخَلْقِ بِأَعَزَّ عَلَيَّ مِنْ أَوَّلِهِ, وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ, فَقَوْلُهُ: اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا, وَأَنَا اللَّهُ الأَحَدُ الصَّمَدُ, لَمْ أَلِدْ, وَلَمْ أُولَدْ, وَلَمْ يَكُنْ لِي كُفُوًا أَحَدٌ».


(١) - راجع المصدر المذكور.
(٢) - المصدر السابق.