للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

-رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: الحشر الجمع، وهو أربعة: حشران في الدنيا، وحشران في الآخرة، فاللذان في الدنيا:

أحدهما: المذكور في سورة الحشر في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ} [الحشر: ٢].

والثاني: الحشر المذكور في أشراط الساعة الذي أخرجه مسلم، من حديث حُذيفة ابن أَسِيد، رفعه: "إن الساعة لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات"، فذكرها. وفي حديث ابن عمر عند أحمد، وأبي يعلى: "تخرج نار قبل يوم القيامة من حضر موت، فتسوق الناس" الحديث، وفيه "فما تأمرنا؟ قال: عليكم بالشام". وفي لفظ آخر "ذلك نار تخرج من قَعْرِ عَدَن، تُرَحِّل الناس إلى المحشر".

وفي حديث أنس في مسائل عبد اللَّه بن سلام لما أسلم "أما أول أشراط الساعة، فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب". وفي حديث عبد اللَّه بن عمرو عند الحاكم، رفعه: "تُبْعَث نار على أهل المشرق، فتحشرهم إلى المغرب، تَبِيت معهم حيث باتوا، وتَقِيل معهم حيث قالوا، ويكون لها ما سقط منهم، وتخلّف، تسوقهم سوق الجمل الكسير".

قال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: وقد أشكل الجمع بين هذه الأخبار، وظهر لي في وجه الجمع أن كونها تخرج من قعر عدن، لا ينافي حشر الناس من المشرق إلى المغرب، وذلك أن ابتداء خروجها من قعر عدن، فإذا خرجت انتشرت في الأرض كلها. والمراد بقوله: "تحشر الناس من المشرق إلى المغرب" إرادة تعميم الحشر، لا خصوص المشرق والمغرب، أو أنها بعد الانتشار أول ما تحشر أهل المشرق، ويؤيد ذلك أن ابتداء الفتن دائمًا من المشرق، وأما جعل الغاية إلى المغرب، فلأن الشام بالنسبة إلى المشرق مغرب. ويحتمل أن تكون النار في حديث أنس كناية عن الفتن المنتشرة التي أثارت الشرّ العظيم، والتهبت كما تلتهب النار، وكان ابتداؤها من قبل المشرق حتى خرب معظمه، وانحشر الناس من جهة المشرق إلى الشام، ومصر، وهما من جهة المغرب، كما شوهد ذلك مرارًا من المغل من عهد جنكيز خان، ومن بعده، والنار التي في الحديث الآخر على حقيقتها. واللَّه أعلم.

والحشر الثالث: حشر الأموات من قبورهم، وغيرها بعد البعث جميعا إلى الموقف، قال اللَّه تعالى: {وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا} [الكهف: ٤٧].

والرابع: حشرهم إلى الجنّة، أو النار انتهى ملخصًا بزيادات.

قال الحافظ: الأول ليس حشرًا مستقلّا، فإن المراد حشر كلّ موجود يومئذ، والأول