الدنيا إلى جهة الشام، وذكر حديث حذيفة بن أسيد الذي نبّهت عليه قبل، وحديث معاولة بن حَيْدَة، جدّ بَهْز بن حكيم، رفعه "إنكم محشورون، ونحا بيده نحو الشام رجالا، وركبانًا، وتُجرّون على وجوهكم". أخرجه الترمذيّ، والنسائيّ، وسنده قويّ، وحديث "ستكون هجرة بعد هجرة، وينحاز الناس إلى مهاجر إبراهيم - عليه السلام -، ولا يبقى في الأرض إلا شرارها، تلفظهم أَرَضُوهم، وتحشرهم النار مع القردة، والخنازير، تبيت معهم إذا باتوا، وتَقيل معهم إذا قالوا". أخرجه أحمد، وسنده لا بأس به. وأخرج عبدالرزاق، عن النعمان بن المنذر، عن وهب بن منبّه، قال: قال اللَّه تعالى لصخرة بيت المقدس: "لأضعنّ عليك عرشي، ولأحشُرنّ عليك خلقي".
وفي تفسير ابن عيينة، عن ابن عباس: من شكّ أن المحشر ههنا -يعني الشام- فليقرأ أول سورة الحشر، قال لهم رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - يومئذ:"اخرجوا"، قالوا: إلى أين؟ قال:"إلى أرض المحشر". وحديث "ستخرج نار من حضرموت، تحشر الناس"، قالوا: فما تأمرنا يا رسول اللَّه؟ قال:"عليكم بالشام". ثم حكى خلافا، هل المراد بالنار نار على الحقيقة، أو هو كناية عن الفتنة الشديدة؛ كما يقال: نار الحرب لشدة ما يقع في الحرب، قال تعالى:{كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ} الآية [المائدة: ٦٤]، وعلى كلّ حال، فليس المراد بالنار في هذه الأحاديث نار الآخرة، ولو أريد المعنى الذي زعمه المعترض لقيل: تحُشَر بيقتُهُم إلى النار، وقد أضاف الحشر إلى النار؛ لكونها هي التي تحشرهم، وتختطف من تخلّف منهم؛ كما ورد في حديث أبي هريرة من رواية عليّ بن زيد، عند أحمد، وغيره؛ وعلى تقدير أن تكون النار كناية عن الفتنة، فنسبة الحشر إليها سببيّة؛ كأنها تفشوا في كلّ جهة، وتكون في جهة الشام أخفّ منها في غيرها، فكلّ من عرف ازديادها في الجهة التي هو فيها أحبّ التحوّل منها إلى المكان الذي ليست فيه شديدة، فتتوفّر الدواعي على الرحيل إلى الشام، ولا يمتنع اجتماع الأمرين، وإطلاق النار على الحقيقة التي تخرج من قعر عدن، وعلى المجازية، وهي الفتنة، إذ لا تنافي بينهما، ويؤيد الحمل على الحقيقة ظاهر الحديث الأخير.
والجواب عن الاعتراض الثاني: أن التقسيم المذكور في آيات "سورة الواقعة" لا يستلزم أن يكون هو التقسيم المذكور في الحديث، فإن الذي في الحديث ورد على القصد من الخلاص من الفتنة، فمن اغتنم الفرصة سار على فسحة من الظهر، ويسرة