للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يشتري الشارف الواحد بالحديقة المعجبة، فإنه ظاهر جدّا في أنه من أحوال الدنيا، لا بعد الموت.

وقد روى البيهقيّ في حديث الباب احتمالين، فقال: قوله: "راغبين" يحتمل أن يكون إشارة إلى الأبرار. وقوله: "راهبين" إشارة إلى المخلطين الذين هم بين الخوف والرجاء، والذين تحشرهم النار هم الكفار. وتعقّب بأنه حذف ذكرَ قوله: "واثنان على بعير الخ". وأجيب بأن الرغبة والرهبة صفتان للصنفين: الأبرار والمخلين، وكلاهما يحشر اثنان على بعير الخ.

قال: ويحتمل أن يكون ذلك في وقت حشرهم إلى الجنة بعد الفراغ، ثم قال بعد إيراد حديث أبي ذرّ: يحتمل أن يكون المراد بالفوج الأول الأبرار، وبالفوج الثاني الذين خلوا، فيكونون مشاة، والأبرار ركبانًا، وقد يكون بعض الكفّار أعيا من بعض، فأولئك يسحبون على وجوههم، ومن دونهم يمشون، ويسعون مع من شاء اللَّه من الفسّاق وقت حشرهم إلى الموقف.

وأما الظهر فلعلّ المراد به ما يحييه اللَّه بعد الموت من الدوابّ، فيركبها الأبرار، ومن شاء اللَّه، ويلقي اللَّه الآفة في بقيتها حتى يبقى جماعة من المخلطين بلا ظهر.

قال الحافظ: ولا يخفى ضعف هذا التأويل مع قوله في بقية الحديث: "حتى إن الرجل ليعطي الحديقة المعجبة بالشارف "، ومن أين يكون للذين يبعثون بعد الموت عراة، حفاة، حدائق حتى يدفعوها في الشوارف؟ فالراجح ما تقدّم، وكذا يبعده غاية البعد أن يحتاج من يساق من الموقف إلى الجنة إلى التعاقب على الأبعرة، فرجح أن ذلك إنما يكون قبل المبعث. واللَّه أعلم انتهى كلام الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-، وهو حسنٌ جدّا.

وحاصله أن الراجح حمل الحديث على الحشر الذي يكون قبل قيام الساعة، عند قربها، فيُحشر الناس إلى الشام على هذه الصفات المختلفة، من كونهم راغبين، راهبين، الخ. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.

٢٠٨٦ - أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ, قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى, عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ جُمَيْعٍ, قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الطُّفَيْلِ, عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ, عَنْ أَبِي ذَرٍّ, قَالَ: إِنَّ الصَّادِقَ الْمَصْدُوقَ, - صلى اللَّه عليه وسلم - حَدَّثَنِي: «أَنَّ النَّاسَ يُحْشَرُونَ ثَلَاثَةَ أَفْوَاجٍ: فَوْجٌ رَاكِبِينَ, طَاعِمِينَ, كَاسِينَ, وَفَوْجٌ تَسْحَبُهُمُ الْمَلَائِكَةُ, عَلَى وُجُوهِهِمْ, وَتَحْشُرُهُمُ النَّارُ, وَفَوْجٌ يَمْشُونَ, وَيَسْعَوْنَ, يُلْقِى اللَّهُ الآفَةَ عَلَى الظَّهْرِ, فَلَا يَبْقَى حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَتَكُونُ لَهُ الْحَدِيقَةُ, يُعْطِيهَا بِذَاتِ الْقَتَبِ, لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا».