للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المصيبة؛ لحاجته إليها، ولا يعزّي الرجلُ الأجنبيُّ شوابّ النساء؛ مخافة الفتنة.

قال: ولا نعلم في التعزية شيئا محدودًا، إلا أنه يُروَى أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - عزّى رجلا، فقال: "رحمك اللَّه، وآجرك". رواه الإمام أحمد (١). وعزّى أحمد أبا طالب، فوقف على باب المسجد، فقال: أعظم اللَّه أجركم، وأحسن عزاءكم. انتهى المقصود من كلام ابن قدامة -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- (٢).

وذكر النووي قريبًا مما ذكره ابن قدامة، وقال: وأما وقت التعزية، فقال أصحابنا: هو من حين الموت إلى حين الدفن، وبعد الدفن إلى ثلاثة أيام. قال الشيخ أبو محمد الجوينيّ: وهذه المدة للتقريب، لا للتحديد. قال أصحابنا: وتكره التعزية بعد الثلاثة؛ لأن المقصود منها تسكين قلب المصاب، والغالب سكونه بعد الثلاثة، فلا يجدّد له الحزن، هذا هو الصحيح المعروف، وجزم السرخسي في "الأمالي" بأنه يعزّى قبل الدفن، وبعده في رجوعه إلى منزله، ولا يعزى بعد وصوله منزله. وحكى إمام الحرمين وجها أن لا أمد للتعزية، بل يبقى بعد ثلاثة أيام، وإن طال الزمان؛ لأن الغرض الدعاء، والحمل على الصبر، والنهي عن الجزع، وذلك يحصل مع طول الزمان، وبهذا الوجه قطع أبو العباس بن القاصّ في "التلخيص"، وأنكره عليه القفال في "شرحه"، وغيره من الأصحاب، والمذهب أنه يعزّى، ولا يعزى بعد ثلاثة، وبه قطع الجمهور، قال المتولي وغيره: إلا إذا كان أحدهما غائبًا، فلم يحضر الدفن إلا بعد الثلاثة، فإنه يعزيه. انتهى المقصود من كلام النووي -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- (٣).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: عندي أن ما قاله إمام الحرمين -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- هو الصواب، لأنه لم يثبت دليل في التحديد بوقت معين.

والحاصل أن التعزية مستحبّة، لحديث الباب، ولكن لم يثبت في فضل من عزّى ثواب معين؛ لأن الأحاديث الواردة في ذلك لا تصحّ.

فمنها: ما أخرجه ابن ماجه عن عبد اللَّه بن محمد بن أبي بكر بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جدّه، عن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، قال: "ما من مؤمن يُعزّي أخاه بمصيبة، إلا كساه اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- من حُلَل الكرامة يوم القيامة". وفي إسناده قيس أبو عمارة الفارسيّ، قال البخاريّ: فيه نظر. وذكره العقيلي في "الضعفاء"، وأورد له حديثين، أحدهما هذا،


(١) - لم يروه أحمد في"المسند"، وإنما أخرجه البيهقي مرسلا في باب ما يقول في التعزية من الترحم على الميت، والدعاء له، ولمن خلف. "السنن الكبرى" ج ٤ ص ٦٠.
(٢) - "المغني" ج ٣ ص ٤٨٥ - ٤٨٦.
(٣) - "المجموع" ج ٥ ص ٢٧٧ - ٢٧٨.