اختلاف آخر، أخرجه النسائي، والبغويّ، من طريق الحارث بن عُمير، عن عُبيد اللَّه بن عمر، وذكره ابن منده من طريق الضحّاك بن عثمان كلاهما عن سعيد، عن أبي هريرة. ولم يقدح هذا الاختلاف فيه عند البخاريّ؛ لأن الليث أثبتهم في سعيد المقبريّ، مع احتمال أن يكون لسعيد فيه شيخان، لكن تترجّح رواية الليث بأن المقبريّ عن أبي هريرة جادّة مألوفة، فلا يَعدِل عنها إلى غيرها إلا من كان ضابطًا متثبّتًا، ومن ثمّ قال ابن أبي حاتم، عن أبيه: رواية الضحّاك وَهَمٌ. وقال الدارقطنيّ في "العدل": رواه عبيد اللَّه ابن عمر، وأخوه عبد اللَّه، والضحّاك بن عثمان، عن المقبريّ، عن أبي هريرة، وَوَهِمُوا فيه، والقول قول الليث.
أما مسلم فلم يُخرجه من هذا الوجه، بل أخرجه من طريق سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس.
وقد أشار البخاريّ إليها عقب طريق الليث. وما فرّ منه مسلم وقع في نظيره، فإن حماد بن سلمة أثبت الناس في ثابت، وقد روى هذا الحديث عن ثابت، فأرسله، ورجّح الدارقطني رواية حماد انتهى ما قاله في "الفتح" (١). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
ثم بين رواية عبيد اللَّه بن عمر بقوله:
٢٠٩٤ - (أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَلِيٍّ, قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ, قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُمَارَةَ, حَمْزَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عُمَيْرٍ, قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي, يَذْكُرُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ, عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, قَالَ: بَيْنَمَا النَّبِيُّ - صلى اللَّه عليه وسلم -, مَعَ أَصْحَابِهِ, جَاءَ رَجُلٌ, مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ, قَالَ: أَيُّكُمُ ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ قَالُوا: هَذَا الأَمْغَرُ, الْمُرْتَفِقُ- قَالَ حَمْزَةُ: الأَمْغَرُ: الأَبْيَضُ, مُشْرَبٌ حُمْرَةً, فَقَالَ: إِنِّي سَائِلُكَ, فَمُشْتَدٌّ عَلَيْكَ فِي الْمَسْأَلَةِ, قَالَ: "سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ؟ ", قَالَ: أَسْأَلُكَ بِرَبِّكَ, وَرَبِّ مَنْ قَبْلَكَ, وَرَبِّ مَنْ بَعْدَكَ, آللَّهُ أَرْسَلَكَ؟ , قَالَ: «اللَّهُمَّ نَعَمْ» , قَالَ: فَأَنْشُدُكَ بِهِ, آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ تُصَلِّيَ خَمْسَ صَلَوَاتٍ, فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ؟ , قَالَ: «اللَّهُمَّ نَعَمْ» , قَالَ: فَأَنْشُدُكَ بِهِ, آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْ أَمْوَالِ أَغْنِيَائِنَا, فَتَرُدَّهُ عَلَى فُقَرَائِنَا؟ , قَالَ: «اللَّهُمَّ نَعَمْ» , قَالَ: فَأَنْشُدُكَ بِهِ, آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ تَصُومَ هَذَا الشَّهْرَ, مِنَ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا؟ , قَالَ: «اللَّهُمَّ نَعَمْ» , قَالَ: فَأَنْشُدُكَ بِهِ, آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ يَحُجَّ هَذَا الْبَيْتَ, مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً؟ , قَالَ: «اللَّهُمَّ نَعَمْ» , قَالَ: فَإِنِّي آمَنْتُ, وَصَدَّقْتُ, وَأَنَا ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ).
(١) - "فتح" ج ١ ص ٢٠٣.