(منها): من خماسيات المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-. (ومنها): أنه مسلسلٌ بثقات البصريين. (ومنها): أن فيه رواية تابعيّ، عن تابعيّ، وفيه أبو هريرة - رضي اللَّه عنه - رأس المكثرين من الرواية. واللَّه تعالى أعلم.
شرح الحديث
(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) - رضي اللَّه عنه -، أنه (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "أتاكُمْ رَمَضَانُ) أي جاءكم زمانه، وفي رواية لأحمد: "لما حضر رمضان، قال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: قد جاءكم رمضان … (شَهْرٌ مُبَارَكٌ) بدل، أو عطف بيان، أو خبر لمحذوف، أي هو شهر مبارك، وظاهره الإخبار، أي كثيرٌ خيرُهُ الحسيّ، والمعنويّ، كما هو مشاهد فيه (فَرَضَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ) ببناء الفعل للمفعول في المواضع الثلاثة، وبتخفيف الفعلين، الأولين، وتشديدهما (وَتُغلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ) بتشديد اللام، من الإغلال، قال في "القاموس": أغلّ فلانًا: أدخل في عنقه، أو يده الغُلّ. انتهى. و"الغلّ" -بالضمّ-: طوق من حديد، يُجعل في العنق، والجمع أغلال، مثل قُفْل وأقفال. قاله في "المصباح"(مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ) أي عُتَاتُهم. يقال: مَرَد، كنصر، وكرُم، مُرُودًا، ومُرودةً، ومَرَادة، فهو ماردٌ، وَمَرِيد، ومتمرّدٌ: أقدم، وعَتَا، أو هو أن يبلغ الغاية التي يَخرُج بها من جملة ما عليه ذلك الصنف. قاله في "القاموس".
ويستفاد منه أن المقيّدين في رمضان هم المردة فقط، فيكون عطف المردة على "الشياطين" في الحديث المتقدّم عطف تفسير وبيان، ويحتمل أن يكون تقييد عامّة الشياطين بغير الأغلال. واللَّه تعالى أعلم (١).
(لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ، خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) أي العمل فيها أفضل من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر (مَنْ حُرِمَ) بتخفيف الراء، والبناء للمفعول (خَيْرَهَا) بالنصب على أنه مفعول ثان لـ"حُرِم"؛ لكون يتعدى إلى مفعولين، يقال: حَرَمت فلانا الشيءَ، من باب ضرب، حَرِما بفتح، فكسر، وحِرْمانًا: إذا منعته. أي من مُنِع خيرها، بأن لم يُوَفَّق لإحيائها، والعبادة فيها (فَقَدْ حُرِمَ") أي مُنع الخير العظيم. قال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- تعالى: اتحاد الشرط والجزاء يدلّ على فَخَامة الجزاء، أي فقد حُرِم خيرًا، لا يُقَادَرُ قدرُهُ انتهى. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: حديث أبي هريرة - رضي اللَّه عنه - هذا صحيح، وهو بهذا الإسناد من أفراد المصنف -رَحِمَهُ اللَّهُ-، كما أشار إليه الحافظ المزي في "تحفة الأشراف" جـ ١٠ ص ١٣٥، أخرجه هنا ٥/ ٢١٠٦ وفي "الكبرى" ٥/ ٢٤١٦. واللَّه تعالى أعلم.