للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال السنديّ -رحمه اللَّه تعالى-: [فإن قلت]: أيّ فائدة في هذا النداء مع أنه غير مسموع للناس؟ [قلت]: قد علم الناس به بإخبار الصادق، وبه يحصل المطلوب بأن يتذكّر الإنسان كلّ ليلة أنها ليلة المناداة، فيتّعظ بها انتهى (١).

(كُلَّ لَيْلَةٍ) منصوب على الظرفية متعلّق بـ "يُنادِي" (يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ هَلُمَّ) أي طالب الخير أقبل على فعل الخير، فهذا أوانه، فإنك تُعطَى جزيلاً بعمل قليل.

و"هلمّ" بفتح الهاء، وضمّ اللام، وتشديد الميم: كلمة بمعنى الدعاء إلى الشيء، كما يقال: تَعَالَ، قال الخليل: أصله "لُمَّ" من الضمّ والجمعِ، ومنه لَمَّ اللَّهُ شَعَثَهُ، وكأنَ المنادِيَ أراد لُمَّ نفسَك إلينا، و"ها" للتنبيه، وحذفت الألف تخفيفًا؛ لكثرة الاستعمال، وجُعِلا اسمًا واحدًا، وقيل: أصلها "هَلّ أُمَّ" أي قُصِدَ، فنقلت حركة الهمزة إلى اللام، وسقطت، ثم جُعلا كلمة واحدة للدعاء، وأهل الحجاز يُنادون بها بلفظ واحد للمذكّر، والمؤنّث، والمفرد، والجمع، وعليه قوله تعالى: {وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا} الآية [الأحزاب: ١٨]. وفي لغة نجد تَلحَقُها الضمائر، وتُطابِقُ، فيقال: "هلمّي"، و"هلمّا"، و"هلمّوا"، و"هلْمُمْن"؛ لأنهم يجعلونها فعلا، فيُلحِقونها الضمائر كما يُلحقونها "قُمْ"، و"قوما"، و"قوموا"، و"قمن". وقال أبو زيد: استعمالها بلفظ واحد للجميع من لغة عُقيل، وعليه قيس بعدُ، وإلحاق الضمائر من لغة بني تميم، وعليه أكثر العرب، وتُستعمل لازمة، نحو: {هَلُمَّ إِلَيْنَا}، أي أقبل، ومتعدّية، نحو: {هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ} [الأنعام: ١٥٠]، أي أحضروهم. قاله الفيّوميّ (٢).

(وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ) بقطع الهمزة، أمر من الإقصار، وفي الرواية التالية: "أمسك"، وهو بمعنى "أَقِصْر". يقال: أقصرتُ عن الشيء بالألف: أمسكتُ مع القدرة عليه. أي طالب الشرّ أمسك عن شرك، وتب عنه، فإن الوقت وقت قبول التوبة. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، ونعم الوكيل.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا السند خطأ، والصواب هو السند الآتي كما قال المصنّف -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-، فالحديث صحيح به.

وهو من أفراده، أخرجه هنا - ٥/ ٢١٠٧ و ٢١٠٨ - وفي "الكبرى" ٥/ ٢٤١٧ و ٢٤١٨. وأخرجه (أحمد) ١٨٠٤١ و ١٨٠٤٢ و ٢٢٣٩٣. واللَّه تعالى أعلم.

وقوله: "قال أبو عبد الرحمن: هذا خطأ" يعني أن هذا الحديث بهذا السند خطأ، ووجه الخطأ أن سفيان بن عيينة رواه عن عطاء بن السائب، عن عرفجة، عن عتبة بن فرقد، فجعله


(١) - "شرح السنديّ" ج ٤ ص ١٣٠.
(٢) - "المصباح المنيّر" في مادة هلم وقد تقدّم هذا غير مرّة، وإنما أعدته لطول العهد به.