للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أنه سألهم، لا أنهم سألوه، لأنه المحتاج إلى سؤالهم، فإنه تابعيّ يحتاج أن يسأل الصحابة - رضي اللَّه عنهم - عن سنة رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -. ويحتمل أن تكون المفاعلة على بابها، ويكون المعنى أنه سألهم عن السنة، وهم سألوه عن الأمور الدنيويّة، ويؤيّد هذا كونه أميراً على مكة، كما تقدّم في ترجمته. واللَّه تعالى أعلم (وَإنُهُمْ حَدَّثُونِي، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -، قَالَ: "صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ) أي صوموا فرض رمضان لرؤية الهلال، فالضمير يفسّره سياق الكلام، كما في قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: ١]، وقوله: {فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا} [العاديات: ٤]. أفاده ابن الملقّن في "الإعلام" (١) (وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ) أي لا تفطروا قبل رؤية هلال شوّال بلا عذر مبيح (وَانْسُكُوا لَهَا) أمر من نَسَك يَنسُك، من باب نصر، أي اذبحوا نسككم، وهي الأضحيّة، أو المراد أداء النسك، وهو الحجّ، فكلّ من الأضحيّة، والحجّ لا بدّ له من رؤية هلال ذي الحجة (فَإِن غُمَّ عَلَيْكُمْ) -بضمّ الغين المعجمة، وتشديد الميم، والبناء للمفعول-: أي حال بينكم، وبين الهلال غيم، أو ضَبَاب.

وقال الزركشيّ في "التنقيح": فيه ضمير يعود على الهلال، أي سُتِر، من غيّمت الشيءَ: سترتُهُ، وليس من الغيم، ويقال فيه: غُمِيَ، وغُمِّيَ، مخففًا، ومشدّدًا، رباعيًا، وثلاثيّا انتهى (٢) (فَأَكْمِلُوا ثَلَاِثينَ) أي أكملوا عدّة شعبان ثلاثين يومًا (فَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ) وفي رواية أحمد: "فإن شهد شاهدان مسلمان وفي رواية الدارقطنيّ: "فإن شهد ذوا عدل" (فَصُومُوا، وَأَفْطِرُوا") زاد في رواية الدارقطنيّ: "وانسُكوا" واللَّه تعالى أعلم.

[تنبيه]: أخرج الدارقطنيّ في "سننه" نحو حديث عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب المذكور، فأخرج من طريق عباد بن العوّام، عن أبي مالك الأشجعيّ، عن حسين بن الحارث الجَدَليّ، -جَدِيلَة قيس-: أن أمير مكّة خطبنا، فنَشَدَ الناسَ، فقال: من رأى الهلال ليوم كذا وكذا؟ ثم قال: "عهد إلينا رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - أن ننسُك للرؤية،، فإن لم نره، وشهد شاهدا عدل نسكنا بشهادتهما".

قال: فسألت الحسين بن الحارث مَن أمير مكة؟ قال: لا أدري، ثم لقيني بعدُ، فقال: هو الحارث بن حاطب، أخو محمد بن حاطب. قال الدارقطنيّ: هذا إسناد متّصل صحيح.

وأخرجه أيضًا بسند آخر، وزاد فيه: وقال: إن فيكم مَن هو أعلم باللَّه ورسوله، وأشار رجل خلفه. قلت: من هو؟ قال: ابن عمر، فقال ابن عمر: بذلك أمرنا رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -.


(١) -"الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" ج ٤ ص ١٧١ - ١٧٢.
(٢) - انظر "زهر الربى" ج ٤ ص ١٣٣ - ١٣٤.