رجال الصحيح. (ومنها): أنه مسلسل بثقات البصريين. (ومنها): أن فيه رواية أبا هريرة - رضي اللَّه تعالى عنه - أحفظ من روى الحديث في دهره. واللَّه تعالى أعلم.
شرح الحديث
(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) - رضي اللَّه عنه -، أنه (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ") تقدّم أن الضمير راجع إلى ما يدلّ عليه السياق، وهو الهلال، كما في قوله تعالى:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}.
والمعنى صوموا رمضان لرؤية هلاله، والمراد نيّة الصوم في النهار؛ لأنّ الليل ليس محلًا للصوم، أفاده العلامة ابن الملقّن -رحمه اللَّه تعالى- (وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمُ الشَّهْرُ) -بضم الغين المعجمة، وتشديد الميم- أي هلال الشهر، ومعناه حال بينكم وبينه غيم. يقال:"غُمّ"، و"أُغمي"، و"غُمّي" -بتشديد الميم، وتخفيفها، والغين مضمومة فيهما- ويقال:"غُبي" -بفتح الغين، وكسر الباء- أي خفي، وكلها لغات صحيحة، وقد غامت السماء، وغِيمت، وأغامت، وتغيّمت، وغيّمت، كلها بمعنى.
وقيل: هذه الألفاظ مأخوذة من إِغْمَاءِ المريض، يقال: غُمي، وأُغمي عليه، والرباعيّ أفصح. وقال القاضي عياض: وقد يصحّ أن ترجع إلى إغماء السماء والسحاب، وقد يكون أيضًا من التغطية، ومنه قولهم: غممت الشيءَ: إذا سترته، والغَمَى مقصورًا: ما سقفت به البيت من شيء. وروي "عُمِي" بالعين المهملة، والميم المخففة. حكاه القاضي أيضًا، ومعناه خَفِي، يقال: عَمِي عليّ الخبر، أي خفي. وقيل: هو مأخوذ من العلماء، وهو السحاب الرقيق. وقيل: المرتفع، أي دخل في العماء، أو يكون من العمى المقصور، وهو عدم الرؤية (١).
(فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ) أي عُدّوا ثلاثين يومًا، من شعبان، فصوموا بعدها. ورواه البخاريّ -رحمه اللَّه تعالى- في "صحيحه"، عن آدم بن أبي إياس، عن شعبة، بلفظ:"فأكملوا عدّة شعبان ثلاثين".
قال في "الفتح": ما حاصله: وقد وقع الاختلاف في حديث أبي هريرة - صلى اللَّه عليه وسلم - في هذه الزيادة، فرواها البخاريّ -كما ترى- بلفظ:"فأكملو عدّة شعبان ثلاثين"، وهذا أصرح ما ورد في ذلك، وقد قيل: إن آدم شيخه انفرد بذلك، فإن أكثر الرواة عن شعبة قالوا فيه:"فعُدّوا ثلاثين". أشار إلى ذلك الإسماعيليّ، وهو عند مسلم وغيره، قال: فيجوز أن يكون آدم أورده على ما وقع عنده من تفسير الخبر.
(١) - انظر "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" للعلامة ابن الملقّن -رحمه اللَّه تعالى- ج ٥ ص ١٧٢ - ١٧٣. و"طرح التثريب" ج ٤ ص ١١٧.