للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

و"نافع": هو أبو عبد اللَّه المدنيّ، مولى ابن عمر الفقيه الحجة [٣]. والحديث متفق عليه، وشرحه يعلم مما سبق.

وقوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "لا تصوموا حتى تروا الهلال" فيه مسألتان:

(المسألة الأولى): أنه يفيد أنه لا يلزم الصوم، ولا يثبت كون اليوم من رمضان بغير رؤية؛ لا بتقديرٍ تحت السحاب في الغيم، ولا برجوع إلى حساب.

واختُلف في جواز صومه عن رمضان، ومقتضى الحديث منع ذلك؛ لأنه صوم قبل الرؤية، وهو مذهب الشافعي وغيره، وقالوا: لا ينعقد صومه، ولا يجزيه إن ظهر أنه من رمضان، واقتصر الحنفية على الكراهة، وقالوا: إن ظهر أنه من رمضان أجزأه عنه، وإن ظهر أنه من شعبان كان تطوعًا. أفاده وليّ الدين -رحمه اللَّه تعالى-.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: القول الأول هو الأرجح عندي؛ ظاهر قوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "لا تصموه حتي تروه"، إذا النهي يقتضي الفساد والفاسد لا يكون مسقطًا لفرض رمضان، وكذلك لا ينعقد تطوعًا؛ إلا لمن كان عادته أن يصوم ذلك اليوم، فيجوز؛ لما سيأتي -٣٨/ ٢١٩٠ - من حديث أبي هريرة، مرفوعًا: "ألا لا تقدّموا الشهر بيوم، أو اثنين؛ إلا رجل كان يصوم صياما، فليصمه". واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الثانية): مقتضى الحديث أيضًا منع صومه عن غير رمضان، واختُلف في ذلك أيضًا، فجوزت المالكية، والشافعية صومه عن قضاء، أو نذر، أو كفارة، أو تطوّعًا إذا وافق وِرْده، واختلفوا في جواز التطوع بصومه بلا سبب، فمنعه الشافعية، وقالوا بتحريمه، فإن صامه فالأصحّ عندهم بطلانه، والمشهور عند المالكية جوازه، وقال محمد بن مسلمة بكراهته. وكره الحنفيّة صومه عن واجب آخر، ولم يكرهوا التطوّع بصومه.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: عندي الصواب عدم مشروعية صومه مطلقًا، قضاءٌ، أو غير ذلك، إلا من وافق وِرْده، فإنه يصحّ أن يصومه؛ لحديث أبي هريرة - رضي اللَّه عنه - المتقدم. واللَّه تعالى أعلم.

قال وليّ الدين -رحمه اللَّه تعالى-: ثم إن ذلك كله مفروض في يوم الشكّ، لا في مطلق الثلاثين من شعبان. قال أصحابنا -يعني الشافعية-: ويوم الشكّ يوم الثلاثين من شعبان إذا تحُدِّث برؤيته، أو شهد بها من لا تثبت بقوله، فإن لم يَتَحدّث برؤيته أحد فليس يوم شكّ، ولو كانت السماء مغيمة. وقال المالكيّة: هو يوم الثلاثين من شعبان إذا

كانت السماء مغيمة انتهى (١). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.


(١) -"طرح" ج٤ ص ١١٤.