لفضلها، ويتركها في بعضها خشية أن تُفرض، كما ذكرته عائشة، ويتأول قولها:"ما كان يصليها إلا أن يجيء من مغيبه"، على أن معناه: ما رأيته؛ كما قالت في روايتها الأخرى:"ما رأيت رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - يصلي سبحة الضحى".
وسببه أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - ما كان يكون عند عائشة في وقت الضحى إلا في وقت نادر من الأوقات، فإنه قد يكون في ذلك مسافرًا، وقد يكون حاضرًا، ولكنه في المسجد، أو في موضع آخر، وإذا كان عند نسائه، فإنما كان لها يوم من تسعة، فيصحّ قولها:"ما رأيته يصليها"، وتكون قد علمت بخبره، أو خبر غيره أنه صلاها، أو يقال: قولها: "ما كان يصليها"، أي يداوم عليها، فيكون نفيًا للمداومة، لا لأصلها. واللَّه أعلم. انتهى كلام النووي (١).
وقال الحافظ -رحمه اللَّه تعالى- في "الفتح": وقد اختلف العلماء في ذلك:
فذهب ابن عبد البرّ وجماعة إلى ترجيح ما اتفق الشيخان عليه، دون ما انفرد به مسلم، وقالوا: إن عدم رؤيتها لذلك لا يستلزم عدم الوقوع، فيقدّم من رُوِي عنه من الصحابة الإثباتُ.
وذهب آخرون إلى الجمع بينهما، قال البيهقيّ: عندي أن المراد بقولها: "ما رأيته يسبّحها"، أي يُداوم عليها، وقولها:"وإني لأسبّحها"، أي أداوم عليها، وكذا قولها:"وما أحدث الناس شيئًا" تعني المداومة عليها، قال: وفي بقية الحديث إشارة إلى ذلك، حيث قالت:، وإن كان لَيَدَعُ العملَ، وهو يحبّ أن يعمله خشية أن يعمل به الناس، فيفرضَ عليهم". انتهى.
وحكى المحبّ الطبريّ أنه جمع بين قولها: "ما كان يصلي إلا أن يجيء من مغيبه"، وقولها: "كان يصليّ أربعًا، ويزيد ما شاء اللَّه": بأن الأول محمول على صلاته إياها في المسجد، والثاني على البيت، قال: ويعكُرُ عليه قولها: "ما رأيته يسبحها قطّ"، ويجاب عنه بأن المنفي صفة مخصوصة، وأَخَذَ الجمعَ المذكورَ من كلام ابن حبّان. وقال عياض وغيره: قولهِا:"ما صلاها" معناه ما رأيته يصلّيها، والجمع بينه وبين قولها: "كان يصليها" أنها أَخبَرت في الإنكار عن عدم مشاهدتها، وفي الإثبات عن غيرها. وقيل في الجمع أيضًا: يحتمل أن تكون نفت صلاة الضحى المعهودة حينئذ، من هيئة مخصوصة، بعدد مخصوص، في وقت مخصوص، وأنه - صلى اللَّه عليه وسلم - إنما كان يصليها إذا قدم من سفر، لا بعدد مخصوص، ولا بغيره، كما قالت: "يصلي أربعًا، ويزيد ما شاء