للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأما قوله: "كان يرغب الناس في قيام رمضان الخ" فليس إلا في رواية إسحاق بن راشد، عن الزهريّ، وقد ضُعِّفَ في الزهريّ، وإلا في روايةٍ عن شعيب بن أبي حمزة، وفي رواية عنه مثل الجماعة.

فتحصّل من هذا أنه ليس من حديث عائشة - رضي اللَّه عنها -، بل هو من كلام الزهريّ، ولعله كان يُدرجه عند ما يحدّث بحديثها، وهو بهذا اللفظ ثابت من رواية الزهريّ، عن أبي سلمة، وحميد بن عبد الرحمن، كلاهما عن أبي هريرة - رضي اللَّه عنه -كما سيأتي قريبًا، إن شاء اللَّه تعالى.

والحاصل أن قصّة الترغيب صحيحة من حديث أبي هريرة - رضي اللَّه عنه -، كما سيأتي، لا من حديث عائشة - رضي اللَّه عنها -. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الثانية): قال النوويّ -رحمه اللَّه تعالى- في "شرح مسلم": المراد بقيام رمضان صلاة التراويح (١)، واتفق العلماء على استحبابها، واختلفوا في أن الأفضل صلاتها منفردًا في بيته، أو في جماعة في المسجد؟، فقال الشافعيّ، وجمهور أصحابه، وأبو حنيفة، وأحمد، وبعض المالكية، وغيرهم الأفضل صلاتها جماعة كما فعله عمر بن الخطاب، والصحابة، - رضي اللَّه عنهم -، واستمرّ عمل المسلمين عليه؛ لأنه من الشعائر الظاهرة، فأشبه صلاة العيد، وقال مالك، وأبو يوسف، وبعض الشافعيّة، وغيرهم الأفضل فرادى في البيت؛ لقوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "أفضل الصلاة صلاةُ المرء في بيته إلا المكتوبة" انتهى كلام النوويّ.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الأرجح ما قاله أهل القول الثاني؛ لصراحة النصّ المذكور فيه، وما ذكروه من فعل عمر، والصحابة - رضي اللَّه عنهم - يردّه عدمُ صلاة عمر - رضي اللَّه عنه - نفسِهِ مع أهل المسجد، كما ثبت ذلك في الصحيح (٢) فعن عبد الرحمن بن عبد القاريّ أنه خرج مع عمر - رضي اللَّه عنه - ليلة بعد أن جمع الناس على أبيّ بن كعب، والناس يصلون بصلاته، فقال: "نعمت البدعة هذه".

ثم قال: "والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون" -يريد آخر الليل، لأن الناس كانوا يقومون أوله. فقد صرّح - رضي اللَّه عنه - بأن صلاتها آخر الليل أفضل من صلاتها جماعة في المسجد أول الليل.

ثم إن تشبيههم صلاة التراويح بصلاة العيد غير صحيح؛ لأن صلاة العيد كان من


(١) - قد تقدّم أن الأرجح أن قيام رمضان لا يختصّ بصلاة التراويح -كما صرّح بذلك وليّ الدين العراقيّ، والحافظ- بل يعمّ كلّ عبادة للَّه تعالى، فتفطّن.
(٢) - راجع "صحيح البخاري" ج ٤ ص ٧٧٩ بنسخة "الفتح".