للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

سبعمائة ضعف، إلى ما شاء اللَّه، قال اللَّه: إلا الصوم، فإنه لي، وأنا أجزي به". أي أجازي عليه جزاء كثيرًا من غير تعيين لمقداره، وهذا كقوله تعالى {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}: انتهى. و"الصابرون" الصائمون في أكثر الأقوال.

وسبق إلى هذا أبو عُبيد في غريبه، فقال: بلغني عن ابن عُيينة أنه قال ذلك، استدلّ له بأن الصوم هو الصبر؛ لأن الصائم يصبر نفسَهُ عن الشهوات، وقد قال اللَّه تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} انتهى.

ويشهد له رواية المسيّب بن رافع، عن أبي صالح، عند سمويه: "إلى سبعمائة ضعف، إلا الصوم، فإنه لا يدري أحد ما فيه". ويشهد له أيضًا ما رواه ابن وهب في "جامعه" عن عمر بن محمد بن زيد بن عبد اللَّه بن عمر، عن جدّه زيد مرسلاً. ووصله الطبرانيّ، والبيهقيّ، في "الشعب" من طريق أخرى، عن عمر بن محمد، عن عبد اللَّه بن دينار، عن ابن عمر، مرفوعًا: "الأعمال عند اللَّه سبع" الحديث. وفيه: وعمل لا يعلم ثواب عامله إلا اللَّه"، ثم قال: "وأما العمل الذي لا يعلم ثواب عامله إلا اللَّه، فالصيام"، ثم قال القرطبيّ: هذا القول ظاهر الْحُسْن، قال: غير أنه تقدّم، ويأتي في غير ما حديث أن صوم اليوم بعشرة أيام، وهي نصّ في إظهار التضعيف، فبَعُدَ هذا الجوابُ، بل بطل.

قال الحافظ: لا يلزم من الذي ذُكِرَ بطلانه، بل المراد بما أورده أن صيام اليوم الواحد يكتب بعشرة أيام، وأما مقدار ثواب ذلك، فلا يعلمه إلا اللَّه تعالى.

ويؤيده أيضًا العرف المستفاد من قوله: "أنا أجزي به"؛ لأن الكريم إذا قال: أنا أتولى الإعطاء بنفسي كان في ذلك إشارة إلى تعظيم ذلك العطاء وتفخيمه.

(ثالثها): معنى قوله: "الصوم لي"، أي إنه أحبّ العبادات إليّ، والمقدم عندي، وقد تقدّم قول ابن عبد البرّ: كفى بقوله: "الصوم لي"، فضلاً للصيام على سائر العبادات. وروى النسائيّ وغيره من حديث أبي أمامة، مرفوعًا: "عليك بالصوم، فإنه لا مثل له" (١)، لكن يعكر على هذا الحديثُ الصحيحُ: "واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة".

(رابعها): الإضافة إضافة تشريف، وتعظيم، كما يقال: بيت اللَّه، وإن كانت البيوت كلها للَّه، قال الزين ابن المنيّر: التخصيص في موضع التعميم في مثل هذا السياق لا يفهم منه إلا التعظيم والتشريف.


(١) - هو الحديث الآتي للمصنّف بعد باب برقم -٤٣/ ٢٢٢٠.