للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حاله، وإلى هذا جنح المصنّف -رحمه اللَّه تعالى- حيث قال في الباب التالي: "العلة التي من أجلها قيل ذلك"، ثم أورد حديث جابر - رضي اللَّه عنه - الآتي، وكذا جنح إليه البخاريّ -رحمه اللَّه تعالى-، حيث ترجم بقوله: [باب قول النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - لمن ظُلّل عليه، واشتدّ الحرّ: "ليس من البرّ الصوم في السفر"]، ولذا قال الطبريّ -رحمه اللَّه تعالى- بعد أن ساق نحو حديث الباب من رواية كعب بن عاصم الأشعريّ، ولفظه: "سافرنا مع رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، ونحن في حرّ شديد، فإذا رجل من القوم قد دخل تحت ظلّ شجرة، وهو مضطجع كضجعة الوجع، فقال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "ما لصاحبكم، أيّ وجع به؟ فقالوا: ليس به وَجَعٌ، ولكنه صائم، وقد اشتدّ عليه الحرّ، فقال النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - حينئذ: "ليس البرّ أن تصوموا في السفر، عليكم برخصة اللَّه التي رخّص لكم". فكان قوله - صلى اللَّه عليه وسلم - ذلك لمن كان في مثل ذلك الحال.

وقال ابن دقيق العيد -رحمه اللَّه تعالى-: أُخِذَ من هذه القصّة أن كراهة الصوم في السفر مختصّة بمن هو في مثل هذه الحالة ممن يُجهِده الصوم، ويشقّ عليه، أو يؤدي به إلى ترك ما هو أولى من الصوم من وجوه القرب، فينزّل قوله: "ليس من البرّ الصوم في السفر" على مثل هذه الحالة.

قال: والمانعون في السفر يقولون: إن اللفظ عامّ، والعبرة بعمومه، لا بخصوص السبب.

قال: وينبغي أن يُتنبّه للفرق بين دلالة السياق، والقرائن الدالة على تخصيص العامّ، وعلى مراد المتكلّم، وبين مجرّد ورود العامّ على سبب، فإن بين العامّين فرقًا واضحًا، ومن أجراهما مجرى واحدًا لم يصب، فإن مجرد ورود العامّ على سبب لا يقتضي التخصيص به، كنزول آية السرقة في قصّة سرقة رداء صفوان. وأما السياق، والقرائن الدّالّة على مراد المتكلّم، فهي المرشدة لبيان المجملات، وتعيين المحتملات، كما في حديث الباب.

وقال ابن المنيّر في "الحاشية": هذه القصّة تُشعر بأن من اتفق له مثل ما لذلك الرجل أنه يساويه في الحكم؛ وأما من سلم من ذلك ونحوه، فهو في جواز الصوم على أصله. واللَّه أعلم.

وحمل الشافعيّ نفي البرّ المذكور في الحديث على من أبى قبول الرخصة، فقال: معنى قوله: "ليس من البرّ" أن يبلغ رجل هذا بنفسه في فريضة صوم، لا نافلة، وقد أرخص اللَّه تعالى له أن يفطر، وهو صحيح. قال: ويحتمل أن يكون معناه ليس من البرّ المفروض الذي من خالفه أَثِمَ. وجزم ابن خزيمة وغيره بالمعنى الأول.