للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حكمًا، فإن قال قائل: إنه يحتمله نقول: إن الروايات الآتية التي تنصّ على أن الحديث موقوف على عبد الرحمن - رضي اللَّه عنه - تقدّم عليه ("الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ، كَالإِفْطَارِ فِي الْحَضَرِ) أي إن حكم الصيام في السفر كحكم الفطر، في الحضر، وهو المنع، وفيه مبالغة في المنع عن الصوم في السفر، وبهذا تمسك الظاهرية، فقالوا بالمنع عن صوم رمضان في السفر. وذهب الجمهور، وهو الحقّ إلى أنه محمول على حال عدم القدرة، ولحوق الضرر، أو الاستنكاف والإعراض عن العمل برخصة اللَّه تعالى.

قال الحافظ -رحمه اللَّه تعالى-: هو محمول على ما تقدّم أوّلاً حيث يكون الفطر أولى من الصوم انتهى.

وقال الشوكانيّ -رحمه اللَّه تعالى-: هو محمول على الحالة التي يكون الفطر فيها أولى من الصوم؛ كحالة المشقّة، جمعًا بين الأدلّة.

وقال السنديّ -رحمه اللَّه تعالى-: قوله: "كالمفطر في الحضر" أي في غير رمضان، فمرجعه إلى أن الصوم خلاف الأولى، أو كالمفطر في رمضان، فمدلوله أنه حرام، والأول أقرب، ومع ذلك لا بدّ عند الجمهور من حمله على حالة مخصوصة؛ كما إذا أجهده الصوم انتهى. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسألتان تتعلقان بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): في درجته:

حديث عبد الرحمن بن عوف هذا موقوف صحيح من رواية حميد بن عبد الرحمن، عنه وهي الآتية بعد حديث، وأما بهذا الإسناد فإنه منقطع؛ لأن أبا سلمة لم يسمع من أبيه. قال أحمد، وابن معين، وابن المدينيّ، وأبو حاتم، ويعقوب بن شيبة، وأبو داود: حديثه عن أبيه مرسل، قال أحمد: مات وهو صغير. وقال أبو حاتم: لا يصحّ عندي. وصرح الباقون بكونه لم يسمع. وقال ابن عبد البرّ: لم يسمع من أبيه، وحديث النضر بن شيبان في سماع أبي سلمة عن أبيه لا يصحّحونه (١).

وقال الحافظ -رحمه اللَّه تعالى- في "التلخيص الحبير": حديث: "الصائم في السفر كالمفطر في الحضر". رواه ابن ماجه، والبزّار (٢) من حديث عبد الرحمن بن عوف،


(١) - انظر ترجمته في "تت" ج ٤ ص ٥٣٢. طبعة مؤسسة الرسالة.
(٢) - وكذا ابن حزم في "المحلى" كلهم من طريق أسامة بن زيد الليثيّ، عن الزهريّ، عن أبي سلمة ابن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه، قال في الزوائد: في إسناده انقطاع، وأسامة بن زيد متفق على تضعيفه، وأبو سلمة بن عبد الرحمن لم يسمع من أبيه شيئًا. قاله ابن معين، والبخاري. انتهى.
وفي دعوى الاتفاق على تضعيف أسامة نظر، فقد وثقه بعضهم، وأكثر مسلم الاستشهاد به في "صحيحه". فتنبّه.