على أن قوله في نفس الخبر: "صم أربعة أيام، ولك أجر ما بقي" يردّ الحمل الأول، فإنه يلزم منه على سياق التأويل المذكور أن يكون التقدير: ولك أجر أربعين، وقد قيّده في نفس الحديث بالشهر، والشهر لا يكون أربعين.
وكذلك قوله في رواية المصنّف التالية من طريق ابن أبي ربيعة، عن عبد اللَّه بن عمرو بلفظ: "صم من كلّ عشرة أيام يومًا، ولك أجر تلك التسعة"، ثم قال: "صم من كلّ تسعة أيام يومًا، ولك أجر تلك الثمانية"، ثم قال: "من كلّ ثمانية أيام يومًا، ولك أجر السبعة"، قال: فلم يزل، حتى قال: "صم يومًا، وأفطر يومًا"، وله من طريق شعيب بن محمد بن عبد اللَّه بن عمرو، عن جدّه بلفظ: "صم يومًا، ولك أجر عشرة"، قلت: زدني، قال: "صم يومين، ولك أجر تسعة"، قلت: زدني، قال: "صم ثلاثة، ولك أجر ثمانية". فهذا يدفع في صدر التأويل الأول، واللَّه أعلم. أفاده في "الفتح" (١).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الأقرب عندي حمل الحديث على ظاهره، وهو الاحتمال الأخير الذي مرّ آنفًا في "الفتح"، وإنما نقص الأجر مع زيادة العمل؛ لما ذُكِرَ من ترتب تفويت بعض العبادات بسبب مشقة الصوم. واللَّه تعالى أعلم.
والحديث صحيح، وقد تقدّم تمام البحث فيه. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
٢٣٩٥ - (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى, قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ, عَنْ أَبِيهِ, قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَلَاءِ, عَنْ مُطَرِّفٍ, عَنِ ابْنِ أَبِي رَبِيعَةَ, عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو, قَالَ: ذَكَرْتُ لِلنَّبِيِّ - صلى اللَّه عليه وسلم - الصَّوْمَ, فَقَالَ: «صُمْ مِنْ كُلِّ عَشْرَةِ أَيَّامٍ يَوْمًا, وَلَكَ أَجْرُ تِلْكَ التِّسْعَةِ» , فَقُلْتُ: إِنِّي أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ, قَالَ: «صُمْ مِنْ كُلِّ تِسْعَةِ أَيَّامٍ يَوْمًا, وَلَكَ أَجْرُ تِلْكَ الثَّمَانِيَةِ» , قُلْتُ: إِنِّي أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ, قَالَ: «فَصُمْ مِنْ كُلِّ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ يَوْمًا, وَلَكَ أَجْرُ تِلْكَ السَّبْعَةِ» , قُلْتُ: إِنِّي أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ, قَالَ: فَلَمْ يَزَلْ, حَتَّى قَالَ: «صُمْ يَوْمًا, وَأَفْطِرْ يَوْمًا»).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: رجال هذا الإسناد كلهم رجال الصحيح، و"أبو العلاء": هو يزيد بن عبد اللَّه بن الشّخّير، أخو مطرّف.
و"ابن أي ربيعة": هو الحارث بن عبد اللَّه بن أبي ربيعة، ويقال: ابن عياش بن أبي ربيعة عَمْرو بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عُمَر بن مخزوم المخزوميّ المكيّ، أمير الكوفة، المعروف بـ"القُبَاع" -بضم القاف، وتخفيف الموحدة- صدوق [٢].
قال الزبير بن بكّار: استعمله ابن الزبير على البصرة، فرأى مكيالاً، فقال: إن مكيالكم هذا لقُبَاع، فلقّبوه به. وقال ابن سعد: كان قليل الحديث، رَوَى عن عمر.
(١) - "فتح" ج ٤ ص ٧٣٩.