من كلّ شهر، أول اثنين، والخميس الذي بعده، والخميس الذي يليه. وعن أم سلمة: أول خميس، والاثنين، والاثنين.
واختار بعضهم صيام أول يوم من الشهر، ويوم العاشر، ويوم العشرين. وبه قال أبو الدرداء. ويُروى أنه كان صيام مالك، واختاره ابن شعبان. وقد رُوي عن مالك كراهة تعمّد صيام أيام البيض، وقال: ما هذا ببلدنا، والمعروف من مذهبه كراهة تعيين أيام مخصوصة للنفل، وأن يجعل الرجل لنفسه يومًا، أو شهرًا يلتزمه.
والحاصل أن ثلاثة أيام من كلّ شهر صيام الدهر، حيث صامها، وفي أيّ وقت أوقعها، واختلاف الأحاديث في هذا عن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - يدلّ على أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - لم يكن يُرتّب على زمان بعينه من الشهر، كما قالته عائشة - رضي اللَّه عنها -، وأن كلّ ذلك قد فعله النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، ويرحم اللَّه مالكاً لقد فَهِمَ، وغَنِمَ انتهى كلام القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى- (١).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الذي مال إليه القرطبيّ من ترجيح ما ذهب إليه مالك -رحمه اللَّه تعالى-، من كراهة تعيين أيام البيض بعينها، أو شهر بعينه، ليس بصحيح؛ لأنه قد صحت الأحاديث عن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - بخلافه، فقد نصّ على استحباب صيام المحرّم، ويوم الاثنين، ويوم الخميس، وأيام البيض، وغير ذلك، فهل يُرجّح قول أحد بعد صحة سنة رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، إن هذا لشيء عجيب.
وأما اختلاف الأحاديث فليس اختلاف تضادّ، وإنما هو اختلاف إباحة، وبيان للجواز.
وأما الإمام مالك -رحمه اللَّه تعالى-، فإنه يُعتذر عنه بأن هذه الأحاديث التي فيها تعيين بعض الأوقات لعلها لم تصحّ لديه، ولذلك علل الكراهة لذلك بكونه غير معروف ببلده، هذا هو الظنّ به -رحمه اللَّه تعالى-.
والحاصل أن الأفضل في صيام ثلاثة أيام من الشهر أن تكون أيام البيض، لما ذكرنا. واللَّه تعالى أعلم بالصواب.
٢٤١٤ - (أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ, قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ, عَنْ شَرِيكٍ, عَنِ الْحُرِّ بْنِ صَيَّاحٍ, عَنِ ابْنِ عُمَرَ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -, كَانَ يَصُومُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ, مِنْ كُلِّ شَهْرٍ, يَوْمَ الاِثْنَيْنِ, مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ, وَالْخَمِيسَ الَّذِي يَلِيهِ, ثُمَّ الْخَمِيسَ الَّذِي يَلِيهِ).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: "الحسن بن محمد الزَّعْفَرانيّ" البغداديّ، صاحب
(١) -"المفهم" ج ٣ ص ٢٣٢ - ٢٣٤.