للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

من كلّ شهر مثل ثواب صيام الدهر (وَأيَّامُ الْبِيضِ) أي أيام الليالي البيض بوجود القمر طوالَ الليل.

ثم إن نسخ "المجتبي" التي بين يديّ هكذا بواو العطف، والظاهر أنه مبتدأ، محذوف الخبر، أي أيام البيض أحسنها، وفي "الكبرى" "أيام البيض" بحذفها، وهي واضحة، فيكون مبتدأ، خبره محذوف، أي هي أيام البيض وقوله (صَبِيحَةُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ، وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ، وَخَمْسَ عَشْرَةَ) بالرفع أيضًا خبر لمحذوف، أي هي صبيحة الخ، ويحتمل النصب على أنه مفعول لفعل مقدّر، أي أعني.

وقال السنديّ في "شرحه": وفي الحديث اختصارٌ مثلُ "وخيُرها صيامُ أيام البيض، وأيامُ البيض كذا وكذا" انتهى.

وقال القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى- في "المفهم"- بعد أن أورد رواية المصنّف هذه-: ما نصّه: روينا هذا اللفظ عن متقني مشايخنا برفع "أيام"، و"صبيحة" على إضمار المبتدإِ، كأنه قال: هي أيام البيض، عائدًا على "ثلاثة أيام"، و"صبيحة" يُرفع على البدل من "أيام". وأما الخفض فيهما، فعلى البدل من "أيام المتقدّمة. هذا أولى ما يوجّه في إعرابها، وعلى التقديرين فهذا الحديث مُفيدٌ (١) لمطلق الثلاثة الأيام التي صومها كصوم الدهر، على أنه يحتمل أن يكون النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - عيّنَ هذه الأيام لأنها وسط الشهر، وأعدله، كما قال "خير الأمور أوساطها"، وعلى هذا يدلّ قوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "هل صمت من سرّة هذا الشهر شيئًا" انتهى كلام القرطبيّ (٢).

وذكر السنديّ عن بعضهم أن الحكمة في صومها أنه لما عمّ النور لياليها ناسب أن تعمّ العبادة نهارها. وقيل: الحكمة في ذلك أن الكسوف يكون فيها غالبًا، ولا يكون في غيرها، وقد أُمرنا بالتقرّب إلى اللَّه تعالى بأعمال البرّ عند الكسوف انتهى (٣).

والحديث صحيح، وهو من أفراد المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، أخرجه هنا-٨٣/ ٢٤٢٠ - وفي "الكبرى" ٨٣/ ٢٧٢٨. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكلت، وإليه أنيب".


(١) - هكذا نسخة "المفهم" بالفاء، والظاهر أنه "مقيّد" بالقاف، من التقييد.
(٢) -"المفهم" ج ٣ ص ٢٣٢ - ٢٣٣.
(٣) - "شرح السنديّ" ج ٤ ص ٢٢١ - ٢٢٢.