وباطل، أما الحقّ، فقولهم: من سننه اللَّه بخلقه، أو أضاف إليه الولد. وأما الباطل، فقولهم: أو أضاف إليه اليد، فإن هذا باطل بلا شكّ، فكيف يقال: من أضاف إلى اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- ما أضافه لنفسه في كتابه العزيز، في قوله تعالى:{يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ}[الفتح: ١٠]، وقوله:{لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}[ص: ٧٥]، وأضافه إليه النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - في أحاديثه الصحيحة، كما هو منصوص عليه في محلّه: إنه لا يعرف اللَّه، إن هذا لهو العجب العجاب، فمن اعتقد أن للَّه تعالى يدًا، لا تشبه أيدي المخلوقين، بل على ما يليق بجلاله، فهو العارف بربه حقّ معرفته، وإنه هو الذي على الحقّ، {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ}[يونس: ٣٢] فتبصّر بالإنصاف، ولا تَتَهَوَّرْ بالاعتساف، واللَّه الهادي إلى سواء السبيل.
واستدلّ به على أن الكفار غير مخاطبين بالفروع، حيث دُعُوا أولاً إلى الإيمان فقط، ثم دُعُوا إلى العمل، ورتب ذلك بالفاء. وأيضًا فإن قوله:"فإن هم أطاعوا، فأَخْبِرْهُم" يُفهَم منه أنهم لو لم يطيعوا لا يجب عليهم شيء.
وفيه نظر؛ لأن مفهوم الشرط مُختَلَفٌ في الاحتجاج به. وأجاب بعضهم عن الأول بأنه استدلال ضعيف؛ لأن الترتيب في الدعوة لا يستلزم الترتيب في الوجوب، كما أن الصلاة، والزكاة لا ترتيب بينهما في الوجوب، وقد قُدّمت إحداهما على الأخرى في هذا الحديث، ورُتبت الأخرى عليها بالفاء، ولا يلزم من عدم الإتيان بالصلاة إسقاط الزكاة.
[تنبيه]: كتب العلامة الصنعانيّ -رحمه اللَّه تعالى- في مسألة خطاب الكفّار بالفروع بحثا مفيدًا، أحببت إيراده هنا لنفاسته:
قال -رحمه اللَّه تعالى-: قوله: "غير مخاطبين بالفروع" أقول: هكذا أطبق الناس عليه، ولا يخفى أن اللَّه بعث الرسل تدعو العباد إلى طاعته تعالى في كلّ ما أمرت به الرسل، من غير تفرقة بين فروع ولا أصول، بل هذه التفرقة والتسمية حادثة اصطلاحًا قطعًا، وقد بيّن - صلى اللَّه عليه وسلم - في حديث عمر - رضي اللَّه عنه -، وإتيان جبريل - عليه السلام - يسأله عن الإيمان، والإسلام، فأجابه بأن:"الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأن محمدًا رسول اللَّه، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحجّ البيت إن استطعت إليه سبيلًا". فقال له جبريل:"صدقت". وإذا كان هذا مسمّى الإسلام بالنصّ النبويّ. ورواية "بني الإسلام على خمس"، وذكر هذه، أخرج الأولى مسلم، والترمذيّ، والنسائيّ. وأخرج الثانية الشيخان، والترمذيّ، وأبو داود، والنسائيّ.
وإذا عرفت أن هذا مسمى الإسلام، وقد عرفت أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - بُعث يدعوا الأمة إلى الإسلام، وقال في كتابه إلى قيصر الذي أخرجه البخاريّ وغيره:"أَسْلِمْ تَسْلَمْ" فقد دعا