للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

سواء جُرّت بحرف، كما في قوله تعالى: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} [النبأ: ١]، أو باسم، كما في قولك: "اقتضاءَ مَ اقتَضَى زيدٌ"، وقَلّ إثباتها، كقول حسّان [من الوافر]:

عَلَى مَا قَامَ يَشْتِمُنِي لَئِيمٌ … كَخِنْزِيرِ تَمَرَّغَ فِي الرَّمَادِ

وكقراءة بعضهم: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ}، وكهذا الحديث، وتلحقها هاء السكت في الوقف غالبًا، وإلى هذه القاعدة أشار ابن مالك في "الخلاصة" بقوله:

و"مَا" في الاسْتِفْهَامِ إِنْ جُرّتْ حُذِفْ … أَلِفُهَا وَأَوْلِهَا الْهَا إِنْ تَقِفْ

وَلَيْسَ حَتْمَا فِي سِوَى مَا انْخَفَضَا … بِاسْمٍ كَقَوْلِكَ اقْتِضَاءَ مَ اقْتَضَى

(قَالَ) - صلى اللَّه عليه وسلم - (بِالْإِسْلَامِ) متعلّق بمقدّر، دلّ عليه السؤال، أي بعثني بالإِسلام (قُلْتُ: وَمَا آيَاتُ الْإِسْلَامِ؟) أي ما هي الأشياء التي تكون دالّة على تحقق الدخول فيه، واستحقاق من تمسّك بها أن يسمّى مسلمًا (قَالَ) - صلى اللَّه عليه وسلم - ("أَنْ تَقُولَ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَى اللَّهِ) أي جعلت جميع أجِزائي منقادًا لحكمه تعالى، واستسلمت له، فالمراد بالوجه تمام النفس، أي كله (وَتَخلَّيْتُ) أي تبرّأت من الشرك، وانقطعت عنه. قاله ابن الأثير (١).

وقال السنديّ -رحمه اللَّه تعالى-: والتخلّي: التفرّغ، أراد البعد من الشرك، وعقدَ القلب على الإيمان، أي تركتُ جميع ما يُعبد من دون اللَّه، وصِرتُ عن الميل إليه فارغًا، ولعلّ هذا كان بعد أن نطق بالشهادتين، لزيادة رُسُوخ الإيمان في القلب.

ويحتمل أن يكون هذا إنشاءَ الإسلام؛ لأنه في معنى الشهادة بالتوحيد، والشهادة بالرسالة قد سبقت منه بقوله: "إلا ما علّمني اللَّه ورسوله"، أو أن هذا الكلام يتضمّن الشهادة بالرسالة؛ لما في أسلمت وجهي من الدلالة على قبول جميع أحكامه تعالى، ومن جملة تلك الأحكام أن يشهد الإنسان لرسوله بالرسالة، ففيه أن المقصود الأصليّ هو إظهار التوحيد، والشهادة بالرسالة بأيّ عبارة كانت. واللَّه تعالى أعلم انتهى كلام السنديّ (٢).

(وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ) أي تؤديها مراعيًا شروطها، وأركانها، وسننها (وَتُؤتِيَ الزَّكَاةَ") زاد في الرواية الآتية: "كُلُّ مسلم على مسلم مُحْرِمٌ، أخوان نصيران، لا يقبل اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- من مشرك عملاً، أو يفارقَ المشركين إلى المسلمين".

فقوله: "كلّ مسلم على مسلم مُحْرِمٌ". وهو بصيغة اسم الفاعل كما قال ابن الأثير، وعبارته في "النهاية": يقال: إنه لَمُحْرِمٌ عنك، أي يَحَرِّمَ أذاك عليه، ويقال: مسلم


(١) -" جامع الأصول" ج١ص ٢٣٤ تحقيق عبد القادر الأرناؤوط.
(٢) -"شرح السندي" ج ٥ ص ٥.