للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

سهيل (١)، قال أبو داود: وأنشدنا الرِّيَاشي [من الرجز]:

إِذَا سُهَيلٌ آخِرَ اللَّيْلِ طَلَعْ … فَابْنُ اللَّبُونِ الْحِقُّ وَالْحِقُّ جَذَعْ

لْم يَبْقَ مِنْ أَسْنَانَها غَيْرُ الْهُبَعْ

والْهُبَعُ الذي يولد في غير حينه. انتهى ما ذكره أبو داود -رحمه اللَّه تعالى- (٢). (إِلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِنْتُ مَخَاضٍ) "تكن" تامّة، و"بنت مخاض" بالرفع فاعلها، أي فإن لم توجد بنت مخاض. ويحتمل أن تكون ناقصة، وخبرها محذوف، أي موجودة (فَابْنُ لَبُونٍ، ذَكَرٌ) "ابن" مبتدأٌ خبره محذوف، أي مقبول، أو نائب لفعل مقدّر، أي يُقبل منه ابن لبونٍ ذَكَر.

و"ابن اللبون": وَلَدُ الناقة، يدخل في السنة الثالثة، والأنثى بنت لبون، سمي بذلك لأن أمه وَلَدت غيره، فصار لها لبن، وجمع المذكور كالإناث: بنات اللبون، وإذا نزل اللبن في ضرع الناقة، فهي مُلبنٌ، ولهذا يقال في ولدها أيضًا ابن مُلْبِن. قاله في "المصباح". وقوله: "ذكر" تأكيد، كما سبق في الذي قبله.

وعُلِم من هذا أن المصدّق إذا لزمه بنت مخاض، ولم توجد عنده يدفع للساعي ابن لبون؛ جَعْلاً لزيادة السنّ مقابلا بزيادة الأنوثة. وهذا متعيّن عند مالك، والشافعيّ، وهو رواية عن أبي يوسف؛ أخذًا بظاهر الحديث. وذهب أبو حنيفة، ومحمد إلى أنه لا يتعيّن أخذ ابن لبون عند فقد بنت المخاض، بل العبرة بالقيمة. قال في "فتح القدير": كان ابن اللبون يعدل بنت المخاض إذ ذاك، جعلاً لزيادة السنّ مقابلاً بزيادة الأنوثة، فإذا تغيّر تغيّر انتهى. فلو عينّا أخذ ابن اللبون من غير اعتبار القيمة لأدى إلى الإضرار بالفقراء، أو الإجحاف بأرباب الأموال (٣).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: القول الأول هو الظاهر. واللَّه تعالى أعلم.

(فَإِذَا بَلَغَتْ ستًّا وَثَلَاِثِينَ، فَفِيهَا بنْتُ لَبُونٍ، إِلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ) الغاية داخلة في المُغَيّا بدليل قوله (فإذَا بَلَغَتْ سِتَّةً وَأَرْبَعِينَ) فعلم أن حكمها حكم ما قبلها. ووقع في نسخة: "ستا وأربعين"، وكلاهما صحيح، لأن قاعدة العدد في تأنيثه مع المذكّر، وتذكيره مع المؤنّث إنما هو إذا ذكر العدود بعده تمييزًا، وأما إذا حذف، أو قُدّم فيجوز


(١) -يعني أن حساب أعمار الإبل يكون عند ظهور سهيل، وهو النجم الذي إذا ظهر تنضج الفواكه، وينقضي زمن القيظ. وجعلت فصول الإبل عند ظهور هذا النجم لما قيل: إنه يطلع عند نتاج الإبل.
(٢) - انظر "المنهل العذب" ج ٩ ص ١٩٢ - ١٩٤.
(٣) - راجع "المنهل" ج ٩ ص ١٤٢.