أربعة آلاف نفقة، فما فوقها فهو كنز. وأما الضحّاك، فقال: من ملك عشرة آلاف درهم، فهو من الأكثرين الأخسرين إلا من قال بالمال هكذا، وهكذا. وكان مسروق يقول في قوله تعالى:{سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} الآية [آل عمران: ١٨٠] هو الرجل يرزقه اللَّه المال، فيمنع قرابته الحقّ الذي فيه، فيُجعل حيّة يُطَوَّقها.
قال ابن عبد البرّ: وهذا ظاهر أنه غير الزكاة، ويحتمل أنه الزكاة.
قال: وسائر العلماء، من السلف والخلف على ما تقدّم في الكنز، قال: وما استدلّ به من الأمر بإنفاق الفضل، فمعناه أنه على الندب، أو يكون قبل نزول الزكاة، ونُسِخَ بها، كما نسخ صوم عاشوراء برمضان، وعاد فضيلةً بعد أن كان فريضةً.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: تقدّم في المسألة السابقة أن الراجح بقاء وجوب الحقّ سوى الزكاة، إذا دعت الحاجة إلى ذلك، من مواساة أصحاب الحاجة والضرورة. فتنبّه. واللَّه تعالى أعلم.
قال: على أن أبا ذرّ أكثر ما تواتر عنه في الأخبار الإنكارُ على من أخذ المال من السلاطين لنفسه، ومنع منه أهله، فهذا ما لا خلاف عنه في إنكاره، وأما إيجاب غير الزكاة، فمختلف عنه فيه.
وتأول القاضي عياض أيضًا كلام أبي ذرَ على نحو ذلك، فقال: الصحيح أن إنكاره إنما هو على السلاطين الذين يأخذون لأنفسهم من بيت المال، ولا ينفقونه في وجوهه.
قال النوويً: وهذا الذي قاله باطلٌ؛ لأن السلاطين في زمنه أبو بكر، وعمر، وعثمان - رضي اللَّه عنهم -، وتوفي في زمن عثمان سنة اثنتين وثلاثين انتهى.
قال وليّ الدين -رحمه اللَّه تعالى-: لعله أراد بالسلاطين بعض نوّاب الخلفاء، كمعاوية، وقد وقع بينه وبين أبي ذرّ بسبب هذه الآية تشاجُرٌ، أوجب انتقال أبي ذرّ إلى المدينة، كان معاوية يقول: هي في أهل الكتاب خاصّةً، وقال أبو ذرّ: هي فينا، وفيهم، على أن عبارة ابن عبد البرّ ليست صريحة في أن الإنكار على السلاطين، كعبارة القاضي عياض، بل هي محتملة لأن يكون المراد الإنكار على الآحاد الذين يأخذون الأموال من السلاطين، وهم غير محتاجين إليها، فيجمعونها عندهم، وقد يؤدّي ذلك إلى منع من هو أحقّ منهم. واللَّه تعالى أعلم.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: تمثيله بمعاوية - رضي اللَّه عنه - لمن يأخذ من بيت المال ظلمًا، فيه سوء أدب مع صحابيّ جليل، من أصحاب رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، فليُتنبّه، واللَّه تعالى الهادي إلى سواء السبيل.
قال: ولما حَكَى ابن العربيّ قول الضحّاك، قال: وإنما جعله أوّل حدّ الكثرة؛ لأنه