وقوله:"جمّاء" بفتح الجيم، وتشديد الميم: هي التي لا قرن لها.
وقوله:"وماذا حقّها" قال السنديّ -رحمه اللَّه تعالى-: ظاهره الحقّ الواجب الذي فيه الكلام، لكن معلوم أن ذلك الحقّ الواجب هو الزكاة، لا المذكور في الجواب، فينبغي أن يجعل السؤال عن الحقّ المندوب، وتركوا السؤال عن الجواب الذي كان فيه الكلام؛ لظهوره عندهم انتهى.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: فيما قاله السنديّ نظرٌ لا يخفى، فقد قدّمنا أن الصواب أن الواجب ليس مقصورًا على الزكاة فقط، بل ما ذُكر في الحديث من إطراق الفحل، وإعارة الدلو، والحمل في سبيل اللَّه، وحلبها يوم وردها أحيانًا تكون من حقوق المال الواجبة، وذلك عند وجود المضطرّين، والمحتاجين، وكونها فاضلة من حاجة صاحبها. فتبصّر بإنصاف، ولا تتهوَّر بتقليد ذوي الاعتساف.
وقد أخرج مسلم من حديث أبي سعيد الخدريّ - رضي اللَّه عنه - قال: بينما نحن في سفر، مع النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، إذ جاء رجل على راحلة له، قال: فجعل يصرف بصره يمينا وشمالا، فقال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "من كان معه فضل ظهر، فليَعُدْ به على من لا ظهر له، ومن كان له فضلٌ من زاد، فليعد به على من لا زاد له"، قال: فذكر من أصناف المال، ما ذكر، حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل.
وأما إذا كان صاب المال محتاجًا إليه، فلا يجب عليه شيء، لحديث:"لا صدقة إلا عن ظهر غنى"(١).
والحاصل أن الوجوب لا يختصّ بالزكاة فقط، بل هناك واجبات تتعلّق بالمال، كما قدّمنا بيانها في شرح -٦/ ٢٤٤ - في المسألة الثانية، فراجعه تستفد. واللَّه تعالى وليّ التوفيق.
وقوله:"إطراق فحلها": أي إعارته للضراب. وقوله:"وإعارة دلوها": أي لإخراج الماء من البئر لمن يحتاج إليه، ولا دلوَ معه.
وقوله:"يُخيَّل له" - بالبناء للمفعول: أي يُمَثَّل له.
وقوله:"يَقضِمها"-بفتح الضاد المعجمة، وكسرها- يقال: قَضِمَتِ الدّابّةُ الشعيرَ تَقضَمه، من باب تَعِبَ: كَسَرَتهُ بأطراف أسنانها، وقَضَمَتْ قَضمًا، من باب ضَرَب لغةٌ، ومنه يُقال على الاستعارة: قضمتُ يَدَه: إذا عَضَضْتَهَا. قاله في "المصباح".
و"الفَحْلُ": الذكر من الحيوان، جمعه فُحُول، وفُحُولةٌ، وفِحَال.
(١) - رواه أحمد بإسناد صحيح، وعلّقه البخاريّ بصيغة الجزم.