للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ففيه بُعْدٌ انتهى كلام ابن الملقّن (١).

(إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ فَقِيرًا، فَأَغْنَاهُ اللَّهُ) زاد في رواية البخاريّ: "ورسوله". قال في "الفتح":

إنما ذكر رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - نفسه لأنه كان سببًا لدخوله في الإسلام، فأصبح غنيا بعد فقره بما أفاء اللَّه على رسوله - صلى اللَّه عليه وسلم -، وأباح لأمته من الغنائم. وهذا السياق من باب تأكيد المدح بما يُشبه الذّمّ؛ لأنه إذا لم يكن له عذرٌ إلا ما ذُكر من أن اللَّه أغناه، فلا عُذر له، وفيه التعريض بكفران النعم، والتقريع بسوء الصنيع في مقابلة الإحسان. انتهى (٢).

(وَأَمَّا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، فَإِنَّكُمْ تَظْلِمُونَ خَالِدًا) الخطاب للعمّال على الصدقة حيث لم يحتسبوا له بما أنفق في الجهاد من الجند والْعُدّة؛ لأنهم طلبوا منه زكاة أعتاده ظنّا منهم أنها للتجارة، وأن الزكاة فيها واجبة، فقال لهم: لا زكاة لكم عليّ، فقالوا للنّبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -: إن خالدًا منع الزكاة، فقال: "إنكم تظلمون خالدًا"؛ لأنه حبسها، ووقفها في سبيل اللَّه قبل الحول عليها، ولا زكاة فيها. قاله النوويّ في "شرحه". (٣).

ويحتمل أن يكون المراد لو وجبت عليه زكاةٌ لأعطاها، ولم يَشحّ بها؛ لأنه قد وقف أمواله للَّه تعالى متبرّعًا، فكيف يشحّ بواجب عليه.

ويحتمل أنه لم يقفها، بل رفع يده عنها، وخلّى بينها وبين الناس في سبيل اللَّه؛ لا أنه احتبسها وقفًا على التأبيد؛ لأنه صرفها مصرفها حيث تعينّت للجهاد، وقد جعل اللَّه للجهاد حظّا من الزكاة، فرأى صرفها فيه، فاشترى بها ما يصلح له، كما يفعله الإمام، فلما تحقّق النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - ذلك، قال: "إنكم تظلمون خالدًا"، فإنه صرفها مصرفها، وأجاز له ذلك. وبه جزم القرطبيّ في "شرحه" (٤).

وقيل: يجوز أن يكون - صلى اللَّه عليه وسلم - أجاز لخالد أن يحتسب ما حبسه من ذلك فيما يجب عليه من الزكاة؛ لأنه في سبيل اللَّه. حكاه القاضي عياض (٥).

(قَدِ احْتَبَسَ) أي وقف، ويحتمل أن يكون معناه إبانة اليد عن الملك للَّه تعالى كما يفعل المهدي لبيت اللَّه تعالى فيها بالتخلية بينها وبين مستحقيها. قال الأصبهانيّ: واحتبس لغة في حبس (٦) (أَدْرَاعَهُ) جمع درع، ويكون من الحديد وغيره (وَأَعْتُدَهُ فِي


(١) - "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" ج ٥ ص ٧٧ - ٧٨.
(٢) - "فتح" ج ٤ ص ٩٥.
(٣) - "شرح مسلم" ج ٧ ص ٥٩ - ٦٠.
(٤) - ذكر القرطبي -رحمه اللَّه تعالى- معنى هذا الكلام في "المفهم" ج ٣ ص ١٦.
(٥) - "إكمال المعلم" ج ٣ ص ١١٥.
(٦) - راجع "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" ج ٥ ص ٨٣.