للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لا زكاة فيه. قال ابن قُدَامة: لا نعلم في هذه التفرقة التي ذكرناها خلافًا انتهى (١).

وقوله (الْعُشْرُ) مبتدأ مؤخّر، خبره الجارّ والمجرور قبله، أي العشر واجب فيما سقته السماء، والعيون، أو كان بَعْلاً، والمراد ما لا يحتاج في سقيه إلى مؤونة، أو فاعل لفعل محذوف، أي يجب العشر فيما ذُكر (وَمَا سُقِيَ) بالبناء للمجهول، وهو مجرور عطفًا على قوله: "ما سقت السماء" (بِالسَّوَانِي) جمع سانية، وهي بعير، يُستَقَى عليه من البئر، ومثله في الحكم البقر، ونحوها، فإن المراد به ما يحتاج في سقيه إلى مؤونة (وَالنَّضْحِ) -بفتح النون، وسكون الضاد المعجمة، بعدها حاء مهملة- هو السقي بالرشا، والغَرْب، والدالية. وفي نسخة: "أو النواضح" بـ "أو" وصيغةِ الجمع، فـ"أو" للشكّ من الرواي، و"النواضح": جمع ناضح، يقال: نَضَحَ البعيرُ الماء: حَمَلَه من نهر، أو بئر، لسقي الزرع، فهو ناضح، والأنثى ناضحة بالهاء، سُمّي ناضحًا؛ لأنه يَنضَحُ العطش: أي يبُلُّه بالماء الذي يَحمله. هذا أصله، ثم استُعمل الناضح في كلّ بعير، وإن لم يحمل الماء. وفي الحديث: "أطعمه ناضحك": أي بعيرك. أفاده في "المصباح" وقوله: ("نِصْفُ الْعُشْرِ") بالرفع عطفًا على قوله: "العشرُ" ففيه عطف المعمولين على معمولي عاملين مختلفين، وفيه خلاف بين النحاة. ويحتمل أن يكون مبتدأ مؤخرًا، خبره قوله: "وما سُقِي" بتقدير حرف جرّ لدلالة ما قبله عليه، أي فيما سُقِي بالسواني نصفُ العشر، فيه دليلٌ على التفرقة بين ما سُقي بالسواني، ونحوها، وبين ما سقته السماء، ونحوها، وقد أجمع العلماء على ذلك.

قال الخطّابيّ -رحمه اللَّه تعالى-: إنما كان وجوب الصدقة مختلف المقادير في النوعين؛ لأنّ ما عمّت منفعته، وخفّت مُؤْنته كان أحمل للمواساة، فأُوجِب فيه العشرُ، توسعةً على الفقراء، وجُعل فيما كثُرت مؤونته نصف العشر؛ رِفْقًا بأرباب الأموال انتهى.

وقال ابن قُدامة -رحمه اللَّه تعالى-: ما حاصله: كلّ ما سُقي بكُلْفة ومُؤنة، من دالية، أو سانية، أو دُولاب، أو ناعورة (٢)، أو غير ذلك، ففيه نصف العشر، وما سُقي بغير مُؤْنة ففيه العشر، لا نعلم في هذا خلافًا، وهو قول مالك، والثوريّ، والشافعيّ، وأصحاب الرأي، وغيرهم؛ لما روينا من الخبر، ولأن للكُلْفة تأثيرًا في إسقاط الزكاة جُملةٌ؛ بدليل المعلوفة، فبأن يؤثّر في تخفيفها أولى؛ ولأن الزكاة إنما تجب في المال النامي، وللكلفة تأثيرٌ في تقليل النماء، فأثّرت في تقليل الواجب فيها، ولا يؤثّر حفر الأنهار، والسواقي في نقصان الزكاة؛ لأن المؤنة تقلّ؛ لأنها تكون من جملة إحياء الاْرض، ولا تتكرّر كلّ عام، وكذلك لا يؤثّر احتياجها إلى ساق يَسقيها، وُيحوّل الماء


(١) - "فتح" ج ٤ ص ١١٤ - ١١٥.
(٢) - هي المنجنون التي يُديرها الماء، والجمع نواعير. سمّيت بذلك لنعيرها، أي تصويتها. أفاده في "المصباح".