للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

في تعقّبه ابنَ معين، بما نقله عن الإمام مسلم نظرٌ، وذلك لأنه لم يَنقُل كلام الإمام مسلم -رحمه اللَّه تعالى- على وجهه، فوقع على غير ما أراده مسلم، ودونك ملخّص عبارته في "صحيحه"، قال:

"وعلامة المنكر في حديث المحدّث إذا ما عُرضت روايته للحديث على رواية غيره من أهل الحفظ والرضا، خالفت روايته روايتهم، أو لم تكد توافقها، فإذا كان الأغلب من حديثه كذلك كان مهجور الحديث، غير مقبوله، ولا مُستَعمَلِهِ، إلى أن قال: لأن حكم أهل العلم، والذي نَعرِف من مذهبهم في قبول ما يتفرّد به المحدّث من الحديث أن يكون قد شارك الثقات من أهل العلم، والحفظ في بعض ما رووا، وأمعن في ذلك على الموافقة لهم، فإذا وُجد كذلك، ثم زاد بعد ذلك شيئًا ليس عند أصحابه، قُبلت زيادته، فأما من تراه يَعمِد لمثل الزهريّ في جلالته، وكثرة أصحابه الحفّاظ المتقنين لحديثه، وحديث غيره، أو لمثل هشام بن عروة، وحديثُهما عند أهل العلم مبسوطٌ، مشترك، قد نقل أصحابهما عنهما حديثهما على الاتفاق منهم في أكثره، فيروي عنهما، أو عن أحدهما العدَدَ من الحديث، مما لا يعرفه أحدٌ من أصحابه، وليس ممن قد شاركهم في الصحيح، مما عندهم فغير جائز قبول حديث هذا الضرب من الناس" انتهى كلام مسلم -رحمه اللَّه تعالى- باختصار (١).

فأنت ترى أن مسلمًا شرط ليكون ما يتفرّد به الراوي منكرًا أن يكون المتفرّد ممن ليس يشارك الثقات في روايات ما يروونه من الصحيح، فهذا هو الذي يكون منكرًا، وأما إذا كان يشارك الثقات فيما يروونه، أو في بعضه، فإن ما يتفرّد به على أصحابه يكون مقبولاً، ومعلوم أن معمرًا أحد الأثبات المتقنين الذين رووا عن الزهريّ، ويشارك أصحابه الأثبات في رواياتهم عنه، فإذا انفرد عن أصحابه بشيء، فإنه يكون مقبولاً، عِلى ما أوضحه الإمام مسلم، في كلامه المذكور.

والحاصل أنّ معمرًا من الصنف الثاني، لا من الأول، فلا يكون ما تفرّد به منكرًا.

ومن الغريب تشبيهه مخالفةَ معمر بمخالفة سفيان حسين، فإن معمرًا من الحفّاظ المتقنين من أصحاب الزهريّ، كما بيّناه آنفًا، وسفيان من ضعفاء أصحابه، فكيف يُشبّه أحدهما بالآخر، إن هذا لشيء عجيبٌ.

والحاصل أن ما قاله الحافظ ابن عبد البرّ له وجه وجيه فيما أراه. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.


(١) - "صحيح مسلم" ج ١ ص ٥ - ٦.