للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بنصفها، فقال: "بارك اللَّه لك فيما أمسكت، وفيما أعطيت". وتصدّق يومئذ عاصم بن عديّ بمائة وسقِ من تمر. وجاء أبو عقيل بصاع من تمر … " الحديث. وكذا أخرجه الطبريّ من طريق الْعَوْفيّ، عن ابن عباس نحوه، ومن طريق عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاس، قال: " جاء عبد الرحمن بن عوف بأربعين أوقية من ذهب" بمعناه. وعند عبد بن حميد، وابن أبي حاتم من طريق الربيع بن أنس، قال: " جاء عبد الرحمن بن عوف بأربعمائة أوقية من ذهب، فقال: إن لي ثمانمائة أوقيّة من ذهب … " الحديث. وأخرجه عبد الرزّاق، عن معمر، عن قتادة، فقال: "ثمانية آلاف دينار"، ومثله لابن أبي حاتم من طريق مجاهد. وحكى عياض في "الشفا" أنه جاء يومئذ بتسعمائة بعير.

وهذا اختلاف شديدٌ في القدر الذي أحضره عبد الرحمن بن عوف، وأصحّ الطرق فيه ثمانية آلاف درهم. وكذلك أخرجه ابن أبي حاتم من طريق حمّاد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، أو غيره. واللَّه أعلم.

ووقع في "معاني القرآن" للفرّاء أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - حثّ على الصدقة، فجاء عمر بصدقة، وعثمان بصدقة عظيمة، وبعض أصحاب النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - يعني عبد الرحمن بن عوف، ثم جاء أبو عَقيل بصاع من تمر، فقال المنافقون: ما أخرج هؤلاء صدقاتهم إلا رياء، وأما أبو عقيل، فإنما جاء بصاعه ليذكّر بنفسه، فنزلت. ولابن مردويه من طريق أبي سعيد: "فجاء عبد الرحمن بن عوف بصدقته، وجاء المطّوّعون من المؤمنين … " الحديث. ذكر هذا كله في "الفتح" (١).

(فَقَالَ: الْمُنَافِقُونَ: إِنَّ اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- لَغَنِيٌّ عَنْ صَدَقَةِ هَذَا) أي عن صدقة أبي عقيل (وَمَا فَعَلَ هَذَا الآخَرُ) بالرفع بدلًا من اسم الإشارة، وعنوا به الإنسان الذي جاء بمال كثير، وقد تقدّم الخلاف فيه آنفًا (إِلَّا ريَاءً) أي إلا إظهارًا لصدقته للناس، ليروه، ويظنّوا به خيرًا، ويحمدوه عليها (فَنَزَلَتْ: الذِينَ يَلْمِزُونَ) أي يَعيبونهم (الْمُطَّوِّعِينَ) قرأ الجمهور بتشديد الطاء، والواو، وأصله المتطوّعين، فأُدغمت التاء في الطاء، وهم الذين يغزون بغير استعانة برزق من سلطان، أو غيره (٢) (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) بيان لـ "لمطوّعين" (فِي الصَّدَقَاتِ) متعلّق بـ "يلمزون" (والَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ) معطوف على "المطّوّعي"، وأخطأ من قال: إنه معطوف على {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ}؛ لإستلزامه فساد المعنى، وكذا من قال: معطوف على {الْمُؤْمِنِينَ}؛ لأنه يفهم منه أن {وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ} ليسوا بمؤمنين؛ لأن الأصل في العطف المغايرة، فكأنه قيل: الذين يلزون المطّوّعين من هذين الصنفين: المؤمنين، والذين لا يجدون إلا جهدهم، فكأن الأولين مُطّوّعون مؤمنون،


(١) - "فتح" ج ٩ ص ٢٣٠ - ٢٣١.
(٢) هذا أصل معناه، وأما في الآية هنا فالمراد المتطوع بصدقته. واللَّه تعالى أعلم.